عن البودكاست ورسالة الحوار
برنامج حكاية القطاع ليس مجرد مساحة صوتية للحديث عن هموم وتطلعات القطاع غير الربحي في السعودية، بل هو ساحة تفكير جماعي يقودها ثلاثة أصوات مختلفة: هلال القرشي بخلفيته الإعلامية والتنموية، حامد الذيابي بخبرته في الاستدامة والحوكمة، ومحمد المطيري بقراءاته العميقة في الهوية والاتصال. البرنامج يقوم على فكرة أن النقاش الصريح، حتى لو بدا عفويًا أو غير مكتمل، هو مدخل ضروري لتشريح القضايا الكبرى التي تواجه الجمعيات والمؤسسات غير الربحية في مرحلة تتسارع فيها التحولات الوطنية.
اليوم الوطني كمرآة للأزمة الفكرية
النقد الموجه للواقع: بين الأداء والغياب
أجمع المقدمون على أن ما يعيشه القطاع هو أزمة فكر قبل أن يكون أزمة مال.
-
هلال القرشي قدّم قراءة مقارنة بين تفاعل الجمعيات مع لحظات تاريخية كفوز المملكة بحق استضافة إكسبو أو كأس العالم، ليخلص إلى أن الحضور كان في الغالب شكليًا وعشوائيًا، بلا مبادرات ذات بعد استراتيجي.
-
محمد المطيري ركّز على الهوية المؤسسية، مؤكدًا أن معظم الجمعيات تفتقر إلى براند استراتيجي واضح، وأن ما يُقدّم لا يتجاوز أفكارًا متفرقة لموظفين متحمسين.
-
حامد الذيابي قدّم ملاحظة جوهرية حين أشار إلى أن ضعف الاستثمار في الإعلام والعلاقات العامة يعود إلى عقلية ترى الاتصال "رفاهية"، لا رافعة أساسية للتأثير وبناء الثقة.
هذا التباين في زوايا النظر يعكس ميزة البرنامج: أنه لا يكتفي بطرح خطاب واحد، بل يفتح الباب لجدل يكشف الخلل من أكثر من زاوية.
الفجوة بين الجمعيات الكبرى والصغرى
إحدى النقاط اللافتة التي تناولها الحوار هي غياب التناسب بين حجم بعض المؤسسات وقدرتها على الحضور الإعلامي. فكيف يُعقل – كما يذكر حامد – أن جمعيات مضى على تأسيسها ثلاثون أو أربعون سنة، بميزانيات بمليارات الريالات، تكتفي بصورة رمزية أو منشور مقتضب في اليوم الوطني؟ بينما تظهر جمعيات صغيرة أو متوسطة – كجمعية زمزم أو زهرة – بقدرة إبداعية أكبر، مستثمرة الرموز الوطنية والأرقام (مثل 95 عملية في اليوم الوطني الـ95) لتحويل المناسبة إلى حملة مؤثرة.
البعد الغائب: التوثيق والثقة
ما طرحه هلال حول غياب التوثيق المنهجي يفتح جرحًا عميقًا. الجمعيات التي تخدم مئات الآلاف من المستفيدين لا تملك قصصًا موثقة تبرز أثرها. هذا الفراغ يجعل القطاع هشًا أمام أي شائعة أو نقد سلبي، ويؤدي إلى فقدان ثقة المانحين. فالقصة الإنسانية ليست مجرد أداة تسويقية، بل هي ضمانة ضد اهتزاز السمعة.
بين الحذر والجرأة
النقاش تطرّق أيضًا إلى مخاوف الجمعيات من تبني أفكار إبداعية أو التفاعل مع مبادرات عالمية، خشية اعتراض بعض المتبرعين أو حدوث ردود فعل دينية أو اجتماعية. هنا برز تباين واضح:
-
محمد رأى أن هذا التوجس يتحول إلى "جبن مؤسسي" يُعطل التجديد.
-
بينما اعتبر هلال أن الواقعية تقتضي أحيانًا التكيف مع عقلية المانحين، حتى لو كان ذلك على حساب بعض الأفكار "الطموحة".
-
حامد قدّم مقاربة وسطية: لا داعي للمبالغة في التكاليف أو الأفكار "الشاطحة"، لكن لا بد من الاستثمار الذكي في القيم الوطنية والدينية التي لا خلاف حولها.
فرص ضائعة ومسارات ممكنة
الحلقة لم تكتفِ بتشخيص المشكلات، بل قدّمت أمثلة عملية:
-
استثمار الأرقام الرمزية: ربط الرقم 95 بحملات دعم محددة.
-
الاستفادة من الأيام العالمية: مثل "Giving Tuesday" أو "Movember"، وكيف تحولت هذه المبادرات إلى مليارات الدولارات عالميًا.
-
تعزيز التكامل بين الجمعيات: بدل تكرار الجهود وإنفاق مبالغ على إنتاج محتوى متواضع، يمكن مشاركة الموارد والخبرات.
تقييم نقدي للحلقة نفسها
رغم ثراء النقاش، إلا أن الحلقة عانت – كما في حلقات سابقة – من التشتت التحليلي. تنقّل الحوار بين الهوية البصرية، أزمة الثقة، دور المركز الوطني، تجربة المؤثرين، وحتى قضايا المرأة، دون أن يُبنى خط تحليلي متماسك يربطها كلها بخيط ناظم. كذلك غاب عن النقاش – بشكل لافت – أي إطار مقارن دولي يوضح موقع السعودية في استثمار المناسبات الوطنية مقارنة بالمنظمات في بلدان أخرى.
بين الشعارات والواقع
تكشف هذه الحلقة أن الجمعيات السعودية لا تعاني من قلة المناسبات أو شح الموارد، بقدر ما تعاني من غياب عقلية استراتيجية في استثمار اللحظات الوطنية الكبرى. اليوم الوطني ليس مجرد شعار يمر، بل فرصة ذهبية لإبراز الأثر، تجديد الثقة، واستقطاب الدعم. وإذا استمرت الجمعيات في التعاطي معه بوصفه واجبًا بروتوكوليًا، فإنها ستظل أسيرة الحضور الباهت، فيما تتسابق الشركات التجارية على حجز مكانها في وعي المجتمع.
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
