توليد العوائد لتحقيق الاستدامة

ع ع ع

لا تبحثُ العديدُ من المُنظّمات عن توليد العائدات من أجل تعزيز الاستدامة، وغالبًا بسبب أنّها لا تبتكر أيّ جديد في مجال توليد الأرباح بهدف تأمين الاستدامة، ورُبّما تُستمدّ من تجربة المُؤسّسات المانحة مع القُروض الصّغيرة، دُروسٌ يمكن تطبيقها على النّزعة الحالية، فإذا كانت المشاريع الاجتماعية هي الأداةُ الأحدث في برامج الحد من الفقر، يبرز في هذه الحالة قلقٌ أساسي بشأن دور القطاع العام وتأثيره المباشر على مكافحة الفقر عبر تعزيز ريادة الأعمال المستدامة.

ويدفعُنا ذلك لطرح تساؤل عن قدرة القطاع العام الذي قد يشارك بصفة مؤسّسية تُقدِّم المنح أن يسدي النصح ويُتقن سبل الاستثمار في مشروع اجتماعي إذا كان يعمل ضمن نموذج مختلف، في الوقت الذي تشكّل فيه المشاريع الاجتماعية مجموعة أحدث من المؤسّسات التي لا تندرج في إطار القطاع العام أو القطاع الخاص التقليدي، كما أنها لا تعتمد في شكل أساسي على جمع التبرّعات، فهي تؤمّن سلعة أو خدمة بما يحوّل القيمة الاجتماعية لهذه السلعة أو الخدمة، إلى قيمة نقدية. 

وتجسّد المشاريع الاجتماعية في الجوهر معايير اقتصادية واجتماعية على السواء، وبحكم التعريف، لا يُمكن لجمع التبرّعات أن يشكّل المحرّك الأساسي للمشروع الاجتماعي لأنّ للسلعة أو الخدمة التي يقدّمها مُكلفةٌ ويرتبط مفهوم نجاحها بالاستدامة، فعلى سبيل المثال، تعالج بعض المُنظّمات غير الرّبحيّة ثغرةً في الخدمات الصحية عبر جمع قاعدة بيانات دعماً لبعض الجهود الرّامية لتعزيز الأنشطة الصحيّة على غرار بيانات مُتبرّعين بالدّم وتحيي هذه المنظّمات أنشطة وتبيع تذاكر لجمع الأموال، لكنها ليست منظمات ربحية بالكامل، بل تسعى إلى الحصول على التبرّعات المالية، وهكذا يستمرّ السعي إلى تحقيق الاستقلالية المادّية، الأمر الذي يفرض حدوداً على الطريقة التي يمكن أن تتوسّع بها هذه المنظمات، وهو جانب أساسي في ريادة الأعمال.

وتطوّرت بعض هذه المُنظّمات لتمتلك استراتيجية لمساعدة المشاريع الناشئة على توليد عائداتها الخاصة، وأحد المقترحات في هذا المجال استعمال قاعدة المواهب المخبّأة داخل الاقتصادات غير النظامية والاستعانة بالمرشّح الذي يفوز بالتمويل من أجل تحقيق ذلك، ومن شأن اليد العاملة في الاقتصاد غير النظامي أن تشكّل شريكاً محتملاً لروّاد الأعمال الاجتماعيين في بيع السلع والخدمات عن طريق تعاون خلاّق.

وتكمن نقاط قوّة هذه المُنظّمات في تأمينها للموارد المالية، وقدرتها على الدخول إلى خبرات ممتازة، وتعتمد في ذلك على الخبرات المؤسّسية أكثر منه على المنظمات المحلية غير الربحية التي تقود المهمة في بلدانها وتُشكّلُ هذه نقطة الانتقاد الأساسيّة للمُقاربات الموجّهة نحو تحسين الحوكمة وتُذكّر مقاربة المجتمع الدولي السيّئة لمفهوم المشاريع الاجتماعية، بالهفوات السابقة التي شهدتها موجة القروض الصغيرة في أواخر التسعينيات، عندما استثمر المانحون والحكومات أموالاً طائلة في مؤسّسات القروض الصغيرة، وتوقّعوا الحصول على عائدات مرتفعة.

وهكذا انطلاقاً من الدروس المستمدّة من تجربة القروض الصغيرة، على المُنظّمات أن تأخذ في الاعتبار في استراتيجياتها لمكافحة الفقر، اليد العاملة والمواهب المحلّية اللذين يقوم عليها الاقتصاد غير النظامي، فإذا لم تتم المزاوجة بين الاقتصاد المحلي غير النظامي والهيكليات المحلية غير الربحية، تبقى ريادة الأعمال الاجتماعية بعيدة كل البعد عن تطبيق حلول مبتكرة يُحفّزها السوق من أجل حلّ المشاكل الاجتماعية.


المصدر


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top