ملامح جديدة لجمع التبرعات وجهًا لوجه

ع ع ع


يقدّم هذا المقال قراءة معرفية مترجمة بتصرّف لمقال منشور على منصة NonProfit PRO يناقش خمس قوى رئيسية تعيد تشكيل مشهد جمع التبرعات في المنظمات غير الربحية عام 2026، من صعود المبادرات القاعدية المحلية، إلى دور الانتماء، والضغط الاقتصادي، والذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى تحوّل رواية القطاع نحو إعادة البناء. في "البنك الثالث" نعيد صياغة هذه الأفكار وربطها بسياق العمل غير الربحي العربي، مع حفظ جميع الحقوق الأدبية للكاتب والمنصة الأصليين بوصفهما المرجع الأساس للمحتوى وتحليلاته.

يُعَدّ جمع التبرعات وجهًا لوجه جزءًا أساسيًا من إستراتيجية ضخ الموارد لدى أي جهة خيرية. ومع ذلك، فقد شوّهت سمعته في السنوات الأخيرة بسبب فضائح ارتبطت باستخدام أساليب ضغط مبالغ فيها لدفع الناس إلى التبرع، وسوء التعامل مع المتبرعين من الفئات الهشّة.

تتجه المنظمات غير الربحية إلى عام 2026 على أرضية غير مستوية. بعض المجتمعات بدأت تستقر، بينما لا تزال أخرى ترزح تحت وطأة الضغوط المالية، والإرهاق، والتحولات السريعة في طرق تواصل الناس وتبرعهم وقد أظهرت أبحاث القطاع، وكذلك الحوارات التي أجريتها مع آلاف الممارسين، النمط نفسه مرارًا وتكرارًا.

ومع انتقالي خارج دور طويل الأمد في مجال تقنية المنظمات غير الربحية، أتيحت لي فرصة التراجع خطوة إلى الخلف والنظر إلى المشهد الأوسع من دون التركيز على منصة أو منتج بعينه. لذلك، تأملت ما يصفه جامعو التبرعات بأنفسهم، وما تُظهره البيانات الوطنية، وما يقوله قادة المجتمعات عن احتياجاتهم. هذه التوقعات الخمسة تقدّم رؤية عملية لكيف يمكن للمنظمات غير الربحية أن تستعد لعام 2026 بوضوح واتزان في اتخاذ القرار:


1. طاقة القاعدة المجتمعية ستتفوق على الاستراتيجيات المؤسسية

تستمر الثقة في التحول نحو المجموعات المحلية، وشبكات العون المتبادل، والمبادرات المتجذرة في المجتمع. تُظهر استطلاعات وطنية، بما في ذلك أبحاث الثقة الأخيرة الصادرة عن Independent Sector، أن الناس يثقون أكثر بالأشخاص والمنظمات في مجتمعاتهم المحلية، مقارنة بالمؤسسات الوطنية الكبرى مثل الشركات العملاقة، ووسائل الإعلام، والحكومة الفيدرالية.

هذا النمط واضح بشكل خاص لدى البالغين الأصغر سنًا؛ إذ يعلنون عن مستوى عالٍ من الثقة في الأقران والجيران والمنظمات غير الربحية والحكومات المحلية، في مقابل مستوى أقل بكثير من الثقة في المؤسسات الكبرى. وبالنسبة لكثير من المجتمعات الملوّنة، تُبنى الثقة أولًا عبر المنظمات المحلية، والمجتمعات الدينية، وشبكات العون المتبادل، قبل المؤسسات والأنظمة الوطنية.

ما يحدث هنا هو تغيّر بنيوي في الطريقة التي يعالج بها الناس مشكلاتهم، لا مجرّد «موضة عابرة». لأن المنظمات القاعدية تتواصل بشكل أسرع، وتتكيّف بسرعة أكبر، وتكسب الثقة عبر القرب المباشر من الناس. ومع ذلك، لم تلحق الموارد بهذه الوتيرة؛ فكثير من المجموعات الأقرب إلى احتياجات المجتمع تعمل بعدد محدود من العاملين وبتمويل متواضع. 

وفي عام 2026، يمكن توقّع مزيد من التحالفات المحلية، وسرديات يقودها المجتمع نفسه والسؤال سيكون: هل تستطيع البنية التحتية التمويلية مواكبة الإبداع والعجلة الصادرة من «الأرض»؟


2. الانتماء سيصبح المحرك الأساسي للمشاركة

تُعيد مشاعر الوحدة والتفكك الاجتماعي تشكيل الطريقة التي يبحث بها الناس عن الارتباط والانتماء. على سبيل المثال، تُظهر بيانات حديثة أن نحو نصف البالغين في الولايات المتحدة يصرّحون بتجربة الشعور بالوحدة. وتربط أبحاث صادرة عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس بين الوحدة والعزلة الاجتماعية من جهة، وبين تدنّي الصحة النفسية والنتائج الاجتماعية من جهة أخرى.

هذه التحولات مهمة للمنظمات غير الربحية، لأن الشعور بالانتماء أصبح واحدًا من أقوى المؤشرات على احتفاظ المنظمة بمُتبرعيها وداعميها حيث أنّ المؤيدين الذين يشعرون بارتباط شخصي بالمنظمة يرجّح بشكل أكبر أن يستمروا في التفاعل والدعم سنة بعد أخرى.

مجتمعات الهوية على منصات مثل Discord و TikTok تواصل النمو، وخصوصًا بين الجيل زد (Gen Z) و لكن «الانتماء» لا يتوزّع بالتساوي لأن المجتمعات التي تحمل تاريخًا من التهميش تتوقع مستوى أعلى من الكفاءة الثقافية، والصدق، والشفافية. المنظمات التي تلبّي هذه التوقعات تكسب ولاءً أعمق.

يتطلّب العمل في عام 2026 من المنظمات غير الربحية أن تبني ارتباطًا حقيقيًا، لا أن تكتفي بإلقاء الرسائل في فراغ رقمي.


3. الضغط الاقتصادي سيعيد تشكيل السخاء تحت السطح

حتى عندما تبدو المؤشرات الاقتصادية الكلية مستقرة، تحكي صورة الأسر حكاية مختلفة. و تُظهر بيانات حديثة من الاحتياطي الفيدرالي أن 40% من الأمريكيين سيواجهون صعوبة في تغطية نفقة طارئة بقيمة 400 دولار من دون اقتراض، أو بيع شيء ما، أو تأجيل دفع التزام آخر.

كما تجاوزت ديون بطاقات الائتمان تريليون دولار، مع ارتفاع معدلات التعثّر بين البالغين الأصغر سنًا والأسر ذات الدخل المنخفض.

تعكس بيانات مشروع فعالية جمع التبرعات (Fundraising Effectiveness Project) التوتر نفسه؛ إذ تتراجع أعداد المتبرعين بينما تظل القيمة الإجمالية للتبرعات شبه مستقرة. هذا يعني أن مجموعة أصغر من المتبرعين تتحمّل قدرًا أكبر من العبء المالي. وفي الوقت ذاته، تستمر الضغوط الناجمة عن التضخم وتكاليف السكن في ضرب المجتمعات السوداء والأصلية والمهاجرة والريفية بصورة أشد، ما يؤثر على قدرتهم على العطاء وعلى الاستقرار المالي للمنظمات القاعدية العاملة بينهم.

الناس ما زالوا كرماء؛ لكنهم أكثر إجهادًا من الناحية المالية. ومع تشدّد الميزانيات، يمكن توقّع زيادة في الهبات الصغيرة المنتظمة، وفي أشكال المشاركة غير المالية، و سَوف يحتاج جامعوا التبرعات إلى قصص أثر أوضح، واستراتيجيات تواصل أكثر ثباتًا للحفاظ على ثقة المتبرعين.


4. الذكاء الاصطناعي سيصبح اعتياديًا… لكن عدالة التبني ستحدد من المستفيد

الذكاء الاصطناعي بات جزءًا من العمل اليومي داخل كثير من المنظمات غير الربحية. قرابة ثلاثة أرباع قادة هذه المنظمات يستخدمون الذكاء الاصطناعي بالفعل، وغالبيتهم يعتمدون عليه في كتابة النصوص، مع تزايد في استخدامه لأغراض بحث عن المانحين المحتملين، و أتمتة المهام، وتخصيص المحتوى، وفقًا لدراسة «أثر قيادة المنظمات غير الربحية 2025» الصادرة عن NonProfit PRO.

لكن وتيرة التبني ليست متساوية؛ فالقادة في المنظمات الأصغر، وكذلك كثير من القادة المنتمين لمجتمعات ملوّنة، يواجهون عوائق تتراوح بين غموض القيمة الحقيقية للأدوات الجديدة، ومخاوف من التحيّز، والخصوصية، والاستدامة طويلة المدى.

هذه المخاوف مبنية على تجارب واقعية، لا على قلق نظري. بسبب أنّ المجتمعات التي سبق أن تضررت من موجات سابقة من التقنيات لديها أسباب وجيهة للتعامل بحذر مع أنظمة الذكاء الاصطناعي والمحتوى الذي تنتجه. ومع تزايد اعتماد المنصات على نماذج الذكاء الاصطناعي لتقرير ما يُعرَض أو يُخفى من محتوى، يرتفع خطر أن المنظمات ذات القدرات الأعلى في إدارة البيانات ستكسب ظهورًا أكبر، بينما تتراجع أخرى إلى الهوامش.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقلل الإرهاق ويزيد الكفاءة، لكنه قادر أيضًا على تعزيز فجوات عدم المساواة إذا سبق التبنيُ الحوكمةَ والتنظيم. المنظمات التي ستجني الفائدة في عام 2026 ستكون تلك التي تستخدم الذكاء الاصطناعي عن قصد، مع تدريب واضح، وضوابط حماية، ومسارات مساءلة شفافة.


5. «إعادة البناء» ستحل محل «العودة إلى الوضع الطبيعي» باعتبارها الرواية الكبرى للقطاع

يتجه قطاع المنظمات غير الربحية بعيدًا عن منطق «الاستجابة للأزمات» نحو رؤية أطول أمدًا لـ«إعادة البناء». يسلّط تقرير Independent Sector المعنون «صحة القطاع غير الربحي في الولايات المتحدة 2024» الضوء على رفاه القوى العاملة، والثقة العامة، والاتصال المجتمعي بوصفها مؤشرات مركزية لصحة القطاع وأثره.

يسير المُتبرعون في الاتجاه نفسه؛ إذ باتت مجالات ترميم المجتمعات وتعزيز قدرتها على الصمود من أسرع مجالات التمويل نموًا في الصناديق الاستشارية للمانحين (Donor-Advised Funds).

لكن المجتمعات لا تعيد البناء من نقطة بداية واحدة؛ فالجائحة، واضطرابات المناخ، والضغوط الاقتصادية لم تصب الجميع بالقدر نفسه. بعض المنظمات لا تزال في وضع التعافي، بينما تقدّمت أخرى إلى مراحل أكثر استقرارًا. المنظمات التي ستنجح في 2026 ستكون تلك التي تتبنّى منهجًا ثابتًا في الإصلاح، وتستثمر في تواصل مستمر مع أصحاب المصلحة، وتركّز على الاستقرار طويل المدى بدل السعي وراء الظهور اللحظي.


ماذا يعني هذا لعام 2026؟

إذا جمعنا هذه التوقعات معًا، سنرى قطاعًا يحاول الملاحة وسط تجزّؤ اجتماعي، وضغط مالي، وتزايد في حجم التوقعات المسلّطة على جامعي التبرعات. لكنّ الصورة تحمل أيضًا طريقًا واضحًا للمضي قدمًا؛ فالمنظّمات التي تبقى متجذّرة في مبادئ العدالة والإنصاف، وتتواصل بوضوح، وتعتمد التقنية بمسؤولية، ستكون في موقع أفضل لكسب الثقة وبناء علاقات متينة طويلة الأمد.

إذا واجه القطاع هذه الحقائق بثبات وصدق، يمكن أن يكون عام 2026 أكثر من مجرد سنة جديدة من «التكيّف المستمر» و يمكن أن يكون عامًا لبناء منظومة غير ربحية أكثر صحة، وأكثر قدرة على الصمود، وأعمق أثرًا في المجتمعات التي تخدمها.

المحتوى أعلاه منقول ومترجَم بتصرّف عن مقال منشور في منصة NonProfit PRO، مع بقاء المرجعية الأولى للنص الأصلي وكاتبه والمنصة الناشرة، وحفظ جميع الحقوق الأدبية لهم.


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top