ليست كل الهبات سواء.
هناك من يمنحك الآن، وهناك من يعدك أن يمنحك غدًا وبين “التبرع” و“التعهّد” يكمن الفارق بين من يُسهم في لحظة، ومن يراهن على استدامة الأثر.
في عالم العمل غير الربحي، هذا الفارق البسيط في التوقيت قد يعني الكثير في التخطيط، والسيولة، والعلاقة مع المانحين، ولأن التفاصيل الصغيرة هي ما تصنع الفرق الكبير، يأتي هذا المقال — المترجم بتصرّف عن منصة Neon One الرائدة في حلول التقنية للمنظمات غير الربحية ليكشف كيف يمكن للمنظمات الذكية أن تبني مزيجًا متوازنًا بين العطاء الفوري والالتزام المستقبلي.
ما هو التعهّد؟
وما هي التبرعات؟
أو بالأحرى، ما الفرق بينهما؟
عند الحديث عن التعهدات والتبرعات، لا يمكن القول إن أحدهما أفضل من الآخر، لكن كلاً منهما يحتاج إلى رسائل مخصصة وتخطيط حملات مختلف ليكون أكثر فاعلية.
التعهّد هو وعد بالدفع لاحقًا، بينما التبرع هو دفعة فورية.
مثلًا، إذا تعهّد أحد الداعمين بدفع مبلغ شهري قدره 10 ريالات ليصل مجموع الهبة إلى 120 ريالًا بعد 12 شهرًا، فهذا يُعد تعهّدًا أما إذا قدّم الداعم هبة لمرة واحدة بمبلغ 100 ريال استجابةً لحملة جمع تبرعات، فذلك يُعد تبرعًا.
وبالطبع، هناك قدر كبير من التداخل بين الاثنين، ولهذا نرى كثيرًا ما تُستخدم كلمتا “تعهّد” و“تبرع” بالتبادل، رغم أن الفروق الجوهرية بينهما تجعل من الضروري التفكير فيهما كلٌ على حدة.
التعهّدات مقابل التبرعات: ما الفرق بينهما؟
يُستخدم مصطلح "التبرع" غالبًا كعبارة شاملة تشير إلى كل ما يُقدَّم من هبات للمنظمة و لكن عندما نتعامل مع كل أشكال العطاء وكأنها تبرعات، فإننا نتجاهل الإمكانات الهائلة التي تحملها التعهّدات.
الآن دعونا نلقي نظرة على بعض الفروق الجوهرية بين التعهّدات والتبرعات:
التعهّدات
التعهّد هو وعد بدفع مبلغ لاحقًا. على سبيل المثال، قد يتعهّد المتبرع بدفع 1200 ريال خلال سنة واحدة، ثم تدفع المنظمة 100 ريال شهريًا كدفعة من التعهّد.
التبرعات
التبرع هو دفعة فورية، حيث يمكن أن يكون لديك متبرع متكرر لم يقدّم أي تعهّد مسبقًا، بل يدفع المبلغ مباشرة فور قراره بالتبرع. و تُعتبر الهبات المطابقة من الناحية التقنية أيضًا تعهّدات لأن الجهة أو الشخص الذي يقدّم الهبة المطابقة يتعهّد بدفع مبلغ يعتمد على رقم غير معروف في المستقبل.
التعهّدات: الإيجابيات والسلبيات
لا يوجد شكل من أشكال العطاء مثالي تمامًا، لذلك يجب أن تكون أي استراتيجية لجمع التبرعات في المنظمات غير الربحية واعية بنقاط القوة والضعف لكل من التعهّدات والتبرعات المباشرة. فيما يلي أبرز مزايا وعيوب استخدام التعهّدات.
الإيجابيات:
1 . القدرة المالية: يسهّل التعهّد على المتبرعين تقديم مبالغ أكبر عبر تقسيمها إلى دفعات ميسّرة.
2 . التفاعل المستمر: المساهمات المتكررة تُبقي الداعم على تواصل دائم مع المنظمة، مما يعزّز العلاقة والولاء.
3 . توسيع قاعدة الداعمين: لأن التعهّدات أقل عبئًا ماليًا من التبرعات الكبيرة، فإنها تتيح للمنظمة الوصول إلى فئات جديدة من المتبرعين الذين لم يكن بإمكانهم في البداية تقديم هبات كبيرة.
السلبيات:
1 . التتبع والإدارة: التعامل مع عدد كبير من التعهّدات المتكررة قد يكون معقدًا، حتى بالنسبة للمنظمات الصغيرة.
2 . المتابعة: تحتاج المنظمة إلى التواصل المستمر مع المتبرعين لجمع التعهّدات، بالإضافة إلى إصدار مزيد من الإيصالات ورسائل الشكر.
3 . الالتزام: حملات التعهّد تطلب دعمًا مستقبليًا، وقد يتردد بعض الأفراد في الارتباط بجدول دفعات مستمر.
التبرعات: الإيجابيات والسلبيات
الآن بعد أن أصبحت أكثر إلمامًا بمزايا وعيوب التعهّدات، حان الوقت لإلقاء نظرة على التبرعات. لأنّه على الرغم من أن الاعتماد الكامل على التبرعات قد يجعل مصادر الإيرادات أكثر عرضة للتقلّب، إلا أن هناك سحرًا خاصًا في فورية الطلب والدفع يجعل هذا النوع من العطاء جذّابًا بطبيعته.
الإيجابيات:
1 . الإلحاح: بما أن التبرعات دفعات فورية، فإن المنظمة تستفيد من الأموال مباشرة دون انتظار.
2 . البساطة: الدفع يتم في الحال، فلا حاجة إلى المتابعة أو تحصيل دفعات لاحقة.
3 . سهولة الوصول: بعض المتبرعين قد يشعرون بالتردد من الارتباط ببرنامج تعهّدات طويلة المدى، لذلك فإن التبرع لمرة واحدة يزيل هذا الحاجز النفسي.
السلبيات:
1 . ضعف الارتباط: التبرع لمرة واحدة يعني تفاعلًا لمرة واحدة، ما يفرض على المنظمة بذل جهد أكبر للحفاظ على تواصل مستمر مع الداعم.
2 . الإيرادات: المتبرعون الذين يدفعون مرة واحدة غالبًا ما يقدّمون مبالغ أقل إجمالًا من أولئك الذين يلتزمون بتعهّدات على مدى زمني.
تركّز معظم المنظمات على تحفيز التبرعات المباشرة، لكنها تواجه صعوبة في إدارة حملات التعهّد بفعالية. ومع ذلك، فإن القبول بالتعهّدات والتبرعات معًا يتيح للمنظمة توفير خيارات متعددة للداعمين ويمنحهم فرصًا متنوعة للمشاركة والانخراط.
إدارة التعهّدات: كيفية تجاوز التحديات
التعهّدات هي وعود بالدفع، لكن هناك دائمًا احتمال ألا يفي الشخص بوعده عند حلول الموعد المحدد و ما يُعرف بـ تراجع الالتزام بالتعهّدات أمر واقعي، ويجب أن يُؤخذ في الاعتبار عند تخطيط أي حملة تعهّدات. ويمكن للمنظمة تقليل هذا الخطر من خلال وضع أنظمة دقيقة لتتبع التعهّدات واستراتيجيات متابعة فعّالة.
إلّا أنّ بعض أسباب عدم الوفاء بالتعهّدات تكون خارجة تمامًا عن سيطرة المنظمة، مثل الظروف المالية الصعبة، فقدان الوظيفة، الأمراض الجسيمة، التغيرات الاقتصادية، أو غيرها من العوامل التي تمنع الشخص من إتمام التعهّد بالكامل.
وفي هذه الحالات، قد يكون إسقاط التعهّد (write-off) هو الخيار الوحيد المتاح.
أما في المقابل، فهناك حالات تكون تحت سيطرة المنظمة. قد ينسى المتبرع ببساطة إرسال دفعة التعهّد، أو يواجه مشكلة في وسيلة الدفع الخاصة به. في مثل هذه الحالات، يمكن للمنظمة التعامل معها بإرسال رسائل تذكير ودّية تلقائيًا تتضمّن ما يلي:
1 . رسالة شكر.
2 . المبلغ الذي لم يتم سداده من التعهّد.
3 . تذكير بأَثر هذا التعهّد على المنظمة.
4 . رابط مباشر وواضح لصفحة الدفع (إذا لم تتم العملية تلقائيًا)، أو لتحديث وسيلة الدفع.
باستخدام نظام فعّال لإدارة علاقات الداعمين (CRM)، يمكن إعداد قوالب جاهزة لرسائل التذكير والتقدير تتضمّن هذه العناصر، وجدولتها لتُرسل تلقائيًا عند تأخر الدفعات لمدة 30 أو 60 أو 90 يومًا.
البيانات واضحة: أصحاب التعهّدات قيمة لا تُقدّر بثمن
أظهر تقرير السخاء الصادر عن منصة Neon One الأمريكية أن نسبة أصحاب التعهّدات بين المتبرعين لم تتجاوز 3.62٪، ومع ذلك كان تأثيرهم كبيرًا بشكل لافت. في عامهم الأول، قدّموا متوسط تبرعات بلغ 483.52 دولارًا أي أكثر بنسبة 158٪ من المتوسط العام بينما وصل مجموع تبرعاتهم خلال خمس سنوات إلى 7,655.79 دولارًا، وهو أكثر من ضعف ما يقدّمه المتبرع العادي.
والأهم من ذلك أن أصحاب التعهّدات يميلون إلى زيادة تبرعاتهم عامًا بعد عام، ويصبح الكثير منهم من أبرز المساهمين الماليين في المنظمات.
ومن أجل التفاعل معهم بفعالية، ينبغي على المنظمة غير الربحية التركيز على تعزيز الشعور بالانتماء والملكية، واستخدام اتصال شخصي مخصص، والنظر إلى التبرع المتكرر كفرصة للنمو طويل المدى. إن الإدارة الواعية للعلاقة لا مجرد حجم الهبة الأولى هي المفتاح الحقيقي لاكتشاف إمكاناتهم الكاملة.
في نهاية المطاف، لا يمكن النظر إلى التعهّدات والتبرعات خيارين متنافسين، بل مسارين متكاملين في منظومة العطاء لأنّ التبرعات تمنح المنظمة نبضها الآني، بينما تمنحها التعهّدات قدرتها على التنفس على المدى البعيد. والنجاح الحقيقي يكمن في إدارة هذا التوازن بوعي، وبناء علاقة قائمة على الثقة والوضوح مع المانحين. فحين تفهم المنظمات إيقاع العطاء وتتعامل معه باحتراف، تتحول الموارد إلى أثر، والوعد إلى استدامة.
جميع الحقوق محفوظة للكاتب والمصدر الأصلي: Neon One.
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
