جوهر الجودة في المنظمات غير الربحية

ع ع ع

في الحقيقة، دائماً ما يرتبط الحديث عن المؤسسات غير الربحية بنقص الجودة، ونسمع هذه الملاحظات من رجال الأعمال المهمين والموظفين الحكوميين، وأيضا المدونين الذين دائماً ما يسلطون الضوء على “أخطاء” القطاع غير الربحي. بالنسبة لهم، تحتاج المنظمات غير الربحية إلى التفكير بالطريقة التي تفكر بها الشركات وتتصرف على نحوها، فضلاً عن أنها تحتاج إلى مزيد الابتكار.

في الواقع، يعتبر قطاع العمل غير الربحي في غاية الأهمية، فهو يعالج أكثر مشاكل المجتمع تعقيداً، على الرغم من افتقاره للموارد. لذلك، لا يمكن أن نتحمل إضاعة المزيد من الوقت، والطاقة، والمعرفة، والمال.

خلال السنوات الأخيرة، نشرت مجلة “هارفارد بيزنيس ريفيو” تقريراً جاء فيه أن المنظمات غير الربحية يمكن أن تكسب 100 مليار دولار إضافية إذا عملت بجودة وإتقان أكثر.

في هذا التقرير، سنتطرق للحديث عما يحمله مفهوم “تحسين الجودة” بالنسبة للمنظمات غير الربحية، فضلاً عن الخطوات التي ينبغي على المؤسسات غير الربحية إتباعها من أجل تحسين جودة العمل، وتحقيق النجاح.

ماذا نعني بتحسين الجودة؟

عموماً، تساعد نماذج تحسين الجودة وأساليبها وأدواتها في دعم المؤسسات غير الربحية، حيث أنها تعمل على التقليل من الأخطاء وزيادة الكفاءة، من خلال التحكم في الخسائر، فضلاً عن تحسين نوعية المنتجات والخدمات للعملاء، عن طريق اعتماد عمليات تحليلية ومنهجية وأحياناً إحصائية.

علاوةً على ذلك، يتم التقليل من الأخطاء عن طريق توحيد العمل. كما يتم خلق الكفاءة من خلال التخطيط وتحسين سير العمليات. أما تحسين الجودة، فيتم من خلال تحديد متطلبات العملاء والتخطيط لها. في هذه المرحلة، يرى المحترفون في الخدمة الاجتماعية أن تحسين الجودة ستنتزع جوهر عمل المنظمات غير الربحية، وسنسمع منهم عبارات من قبيل:

“نحن نتعامل مع بشر، وليس جماد”، “من الصعب جداً ضبط عملنا في هذا القطاع”، “عملنا لا يقتصر على الربح، وإنما يُعنى بالتأثير”.

نحن لا ننكر وجود مثل هذه التصريحات، ولكنها لن تعيق عملية تحسين الجودة. لذلك سأجيب: الكفاءة ليست عدو الجودة، وبإمكانك ضبط المفاهيم غير الموضوعية وقياسها، كما أن المال هو زادنا في هذه المهمة.

ما هو التعريف التقني للجودة؟

للأسف، أعتقد أن قطاعنا قد قدم تعريفاً محدودا لعملية تحسين الجودة، كما أنه وظفها بطريقة ميكانيكية، وهذا ما جعلها تفقد الكثير من قيمتها. في الواقع، يبدأ العمل على تحسين الجودة بعد فهم مفهوم الجودة. من بين أكثر التعريفات شيوعاً لهذا المصطلح، نذكر “تتحقق الجودة عندما نقدر على تلبية متطلبات العملاء و توقعاتهم، أو تجاوزها”. للأسف، عندما نفسر هذا التعريف بطريقة حرفية ومحدودة في قطاعنا، نقع في خطأ تمييز بعض العملاء والتغاضي عن بعض الأبعاد الرئيسية المتعلقة بالجودة في عملنا.

من هم عملاؤنا؟

على عكس العديد من الشركات، لا ينتفع معظم العملاء بالمنتجات والخدمات التي دفعوا لأجلها المال. لذلك، نملك نوعين من العملاء: الممولين والمنتفعين.

ولسوء الحظ، نشعر في بعض الأحيان وكأن العملاء الوحيدين الذين يملكون الحق في مساءلتنا هم من يمضون الشيكات. لذلك، نرى أحياناً أن احتياجات الممولين والمرخصين وهيئات الترخيص ومتطلباتهم تحجب علينا الناس الذين نهدف لخدمتهم.

ماذا يتوقع العملاء وماذا يحتاجون؟

في هذه النقطة، يصبح عملنا أكثر تعقيداً، نظرا لأن كل عميل لدينا يملك طلبات وتوقعات مختلفة عن البقية. وغالباً ما تكون متعارضة مع بعضها البعض، وتتطلب منا جهداً للتوفيق بينها. إذاً، كيف سيؤثر ذلك على عملية تحسين الجودة؟ إذا حافظنا على التعريف الضيق والمحدود للجودة، أي تلبية متطلبات معينة لدى العميل، فستصبح عملية تحسين الجودة مقتصرة فقط على الالتزام وعلى الاعتماد الأكاديمي بالإضافة إلى تقارير الممولين.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا النهج ليس محدوداً فقط في قدرته على تحسين الجودة أو الكفاءة، ولكنه غالباً ما يخلق أعباء إضافية وعمليات تفتقر إلى الفعالية، ما من شأنه التأثير على المهمة. ولكن ما هو التعريف الحقيقي للجودة؟ هل يشتمل التعريف الذي ذكرناه سابقاً على ما نحتاجها في قطاعنا؟

ماذا عن التأثير التنظيمي والثقافة؟ ماذا عن القيمة القصوى التي نسعى إلى تحقيقها في ظل محدودية الموارد؟  ماذا عن تلبية توقعات العملاء والمجتمعات الضعيفة والمهمّشة؟ ماذا عن العملاء الكادحين، الذين يعانون من نقص التقدير وضعف الأجر؟ وماذا عن العاملين والمتطوعين الذين شاركوا في هذا العمل بهدف إحداث فرق، وليس فقط  للتحقق من الصناديق وملء التقارير كل يوم؟ كيف يمكننا تلبية توقعاتهم؟

في الحقيقة، تكمن آلية تحسين الجودة في الإجابة عن كلّ هذه التساؤلات؛ فهي تمثل جوهر الجودة في المنظمات غير الربحية.

———————————————————–

الموقع: إنسايت إنتو إنباكت

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top