من سامي ورونالدو إلى «صندوق وقف الهلال»… هل تحوِّل الأندية السعودية المدرجات إلى صناديق سيادية للمجتمع؟

سامي الجابر يترجّل، كريستيانو رونالدو يراوغ، و75 ألف مشجع يهتفون… كان ذلك مساء 21 يناير 2008، حين أشعل الهلال إستاد الملك فهد في وداع أسطورته وسجَّل فوزًا تاريخيًا على مانشستر يونايتد (3 ـ 2). مرّت السنوات، وتبدّل الواقع: رونالدو نفسه يقيم في الدوري السعودي، والهلال يهزم مانشستر سيتي بطل أوروبا في مونديال الأندية. لكنّ الحدث الأهم قد يكون خارج الخط الأبيض؛ في الممرّات الخلفية حيث تُنسَج فكرة تحوّل الأندية إلى حاضنات وقفية تضخ الخير بعوائد «تشامبيونز ليغ» إلى شرايين المجتمع.

1. انفجار مالي لم تشهده المدرجات من قبل

منذ ضخّ صندوق الاستثمارات العامة (PIF) استثماراته في يونيو 2023 – باستحواذه على 75 % من أسهم الهلال والنصر والاتحاد والأهلي – تبدلت لغة الحسابات:

300 % نموًّا في رعايات الأندية السعودية خلال موسمين فقط (من 88 مليونًا إلى 328 مليونًا) وفق وزارة الرياضة؛ أرقام تفوق معدّل نمو أبرز خمس دوريات أوروبية مجتمعة في الفترة نفسها.

2. الـ«ROI» يتحدّث بلغة التنافس الجماهيري

الشرق بلومبيرغ تحسبها بالعوائد طويلة الأجل: كل ريال يضخه الشريك التجاري في شعار قمصان الهلال أو الاتحاد ينعكس مكاسب معنوية ومادية تحت خط الأرباح. لكن سوق الرعايات السعودية – بقيمته المتصاعدة إلى 1.8 مليار متوقَّعة بحلول 2027 – بدأ يصل إلى «منحنى تشبُّع». وهنا تبرز ورقة جديدة تتجاوز «اللافتة الإعلانية»: الوقف الجماهيري الرياضي.

3. نموذج «الوقف الرياضي»… كرة تتدحرج نحو الاستدامة

1. تخصيص نسبة مقطوعة من أهم عقود الرعاية (مثلاً 2 % من شراكة «بنك الرياض – الهلال» البالغة 60 مليون سنويًا).

2. إنشاء صندوق وقفي مستقل تُديره جمعية أهلية متخصصة وفق لوائح هيئة الأوقاف.

3. تسويق جماهيري مُدمَج: كل تذكرة موسمية تحمل عبارة «ساهمتَ بريال في وقف الهلال للطلاب الموهوبين».

4. حوكمة شفافة عبر تقارير سنوية تبثها المنصات الرقمية للنادي.

بـأداء استثماري متوسط 5 % سنويًا، يمكن لـ100 مليون ريال رأس مال أولي أن تولّد 5 ملايين ريال عوائد خيرية ثابتة كل موسم - أي ما يكفي لرعاية 2 000 طالب أو تمويل 50 مدرسة مصغَّرة لكرة القدم في الأحياء محدودة الدخل.

4. لماذا يربح الجميع؟

5. أمثلة قابلة للتنفيذ فورًا

• وقف سالم الدوسري لتحفيظ القرآن – تمويل حلقات في أحياء الرياض، بدعم شخصي من صاحب «هدف القرن».

• وقف كريستيانو رونالدو للابتكار الرقمي – منح دراسية للشباب السعودي في علوم البيانات، بشعار CR7 داخل معامل جامعية.

• وقف نادي الاتحاد لترميم الملاعب الشعبية في جدة – إشراف هندسي من شريك النادي (روشن) يربط العقار بالرياضة والمجتمع.

6. البيئة النظامية جاهزة

وزارة الرياضة ألزمت المؤسسات الرياضية غير الربحية – بقرار يوليو 2023 – بالتسجيل في منصات الحوكمة ورفع التقارير المالية، ما يعني أن الطريق ممهد لإنشاء أوقاف تحت هوية الأندية دون عوائق تنظيمية، وبشراكة تلقائية مع القطاع غير الربحي الخاضع لإشراف المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي والهيئة العامة للأوقاف.

7. صافرة لا تنتهي

من ضربة الجزاء التي ودّع بها سامي الجابر الجماهير إلى كرة سالم الدوسري التي صعقت إيميليانو مارتينيز في الدوحة، والآن إلى فكرة «صندوق وقف الهلال»… رحلة كرة سعودية تعلّمت أن تسجل على العشب، وتستطيع الآن أن تسجل في سجلّات الخير.

فهل نرى قريبًا لوحة نتائج إلكترونية تكتب:

الهلال 1 × 0 الجوع، الاتحاد 2 × 0 البطالة، النصر 3 × 0 الأمية؟

عندها فقط سنكتشف أن أعظم الألقاب قد تُرفع خارج المدرج، وأن المجد الحقيقي يبدأ حين يُغلَق الملعب وتُفتح دفاتر الوقف.

أهم المصادر التي اعتمد عليها المقال

1. خبر “وزارة الرياضة تُلزم المؤسسات الرياضية غير الربحية بمتطلبات حوكمة وشفافية” الصادر في يوليو 2023 على موقع صحيفة مال. (maaal.com)

2. تقرير “الأندية المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة: ارتفاع الإيرادات التجارية للاتحاد 243%، الأهلي 222%، الهلال 105%” (7 مارس 2025) بقلم ممدوح اليحيى – صحيفة مال. (maaal.com)

3. تغطية وكالة الأنباء الفرنسية (منشورة عبر العربية) لمباراة اعتزال سامي الجابر: “الهلال يهزم مانشستر يونايتد 3-2” (21 يناير 2008). (alarabiya.net)