في زمن تسارع التحولات الوطنية، تُعد منظومة التطوع أحد أبرز ركائز "مجتمع حيوي" ضمن رؤية السعودية 2030، والتي تستهدف الوصول إلى مليون متطوع سنويًا - وقد حققت ذلك ولله الحمد - .
لكن بلوغ هذا الرقم لا يكفي وحده، ما لم يترافق مع جودة العلاقة بين الجهات والمتطوعين، وعمق التجربة التطوعية ذاتها.
فالمتطوعون ليسوا أرقامًا في تقارير الأداء، بل روافع بشرية تمثّل امتدادًا لقيم العطاء والانتماء. وإن أرادت الجهات الحكومية والأهلية تحويل التطوع من فعلٍ عابر إلى تجربة مستدامة، فالمطلوب ليس فقط "استقطابهم"،
بل "الاحتفاظ بهم والتفاعل معهم بعمق".
في هذا المقال، نستعرض خمس ممارسات عملية تساعد على بناء علاقة طويلة الأمد مع المتطوعين، منسجمة مع تطلعات الرؤية، وموجهة للعاملين في إدارات التطوع بالمؤسسات العامة وغير الربحية.
1. اجعل موقعك الإلكتروني بوابة جذب لا مجرد نافذة تعريفية
كثيرٌ من المتطوعين يبدأون علاقته بالجهة عبر تصفح موقعها. وهنا، لا يكفي عرض نبذة تعريفية، بل يجب تحويل الموقع إلى منصّة جذب وتوظيف تطوعي فعّالة، من خلال:
-
عرض الفرص التطوعية بطريقة احترافية، تتضمن: المهام، المهارات المطلوبة، عدد الساعات، ورابط مباشر للتقديم.
-
إبراز طرق غير تقليدية للمشاركة (مثل: إجازة تطوعية من جهة العمل، أو التطوع الرقمي).
-
إتاحة وسيلة تواصل مباشرة مع منسق التطوع داخل الجهة.
-
إدراج صور واقتباسات من متطوعين سابقين لخلق بعد عاطفي وتحفيزي.
2. فعّل وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح "جسرًا بشريًا" لا مجرد قناة نشر
وسائل التواصل اليوم ليست فقط لنشر الإنجازات، بل منصّة ديناميكية للاستقطاب، والتفاعل، وبناء الثقة. يمكن للجهات أن:
-
تنشر أوصافًا حقيقية وجذابة للفرص التطوعية، مع الإشارة لما سيستفيده المتطوع.
-
توجه دعوات شخصية للمتطوعين السابقين للعودة مجددًا.
-
توثق المشاريع التطوعية بصور ومقاطع فيديو تبرز "القيمة" وليس فقط "الحدث".
-
تشكر المتطوعين علنًا وتُسلّط الضوء على مساهماتهم، ما يعزز شعورهم بالانتماء.
وهنا، ننصح بأن تُكيَّف الرسائل بحسب كل منصة، وأن تُستغل ميزات مثل القصص المباشرة أو البث الحي لإضفاء الطابع الإنساني.
3. سلّط الضوء على ما يجنيه المتطوع من التجربة
وفقًا للمراقبين للعمل التطوعي، فإن دافعية المتطوعين لا تنحصر في "الرغبة في الخير"، بل تشمل أيضًا:
-
بناء شبكة علاقات مهنية.
-
تنمية المهارات (مثل: التحدث، الإدارة، التصميم).
-
تحسين الحالة النفسية والشعور بالإنجاز.
-
أحيانًا: الحصول على خصومات أو امتيازات، أو حتى مزايا في السيرة الذاتية.
كلما أبرزت الجهة هذه الفوائد بوضوح واحتراف، عبر منصاتها وخطاباتها، زادت جاذبيتها للمتطوعين من مختلف الخلفيات.
4. اطلب رأيهم... وافتح الأبواب لتغذيتهم الراجعة
في بيئة رؤية 2030، لم يعد مقبولًا أن تعمل الجهات بصمت دون إشراك جمهورها في تحسين أدائها. المتطوعون شريك لا متلقي، ولذلك:
-
أرسل استبانات دورية (مجهولة الهوية إن لزم الأمر).
-
شجّع مشرفي الفرق على عقد جلسات استماع فردية مع المتطوعين.
-
نظّم لقاءات تشاورية بعد كل حملة تطوعية لمراجعة التجربة.
حتى إن لم تستطع تطبيق كل الاقتراحات، فإن مجرد الاستماع يعزز الإحساس بالقيمة والاحترام.
5. أظهر لهم أثرهم الحقيقي
الانخراط العاطفي للمتطوع يتضاعف عندما يعرف كيف ساهم جهده في صناعة الأثر. ولذلك:
-
أرسل تقارير قصيرة تلخّص ما تحقق من حملات أو فعاليات.
-
استخدم لغة الأرقام + الحكاية: "80 ساعة تطوعية أنقذت 120 شجرة" + "قصة سارة التي استفادت من المبادرة".
-
اجعل المتطوع يرى نفسه جزءًا من مشهد النجاح، لا متفرجًا عليه.
حين يرى المتطوع أثره، يتحول من شخص عابر إلى سفير دائم، وربما جاذب لمتطوعين آخرين.
نحو ثقافة تطوعية مستدامة
التطوع ليس مبادرة وقتية تُنفذ لمرة واحدة، بل ثقافة إدارية وشراكة استراتيجية. الجهات التي تستثمر في المتطوع كـ"إنسان"، ستكسب في المقابل متطوعًا أكثر التزامًا وولاءً وفاعلية.
ولتكن هذه الممارسات جزءًا من تحول مؤسسي يعكس روح رؤية 2030 في إشراك المواطنين في التنمية، لا كمستفيدين فقط، بل كفاعلين ومؤثرين.
مترجم بتصرف من : donorly
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
