اقتصاديات الأوقاف العقارية

ع ع ع

تتمثل فكرة الوقف أساساً في شعور نبيل من الواقف تجاه المجتمع تدشي إلى إحساس بالمسؤولية الاجتماعية، عدا عن أنه يرتبط بجانب ديني يتمثل بطلب الأجر من الله سبحانه وتعالى. وبهذا فإن الوقف عمل خيريّ طيب يشكر صاحبه عند الخالق والخلق. إضافة إلى الجانب الخيريّ في الوقف فإن له بعداً اقتصادياً مهما ً يتجاوز مجرد فعل الخير للمستفيدين منه مباشرة ليتعدى ذلك إلى المجتمع بشكل أوسع لما يخلقه الوقف الاستثماري من فرص عمل وتشغيل أموال وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد وحفز النمو.

تمتاز المملكة العربية السعودية بتوفر بيئة اقتصادية وثقافية تشجع على الوقف، حيث أن الوقف معروف تاريخياً وله شواهد قائمة منذ أيام الإسلام الأولى، وفي وقتنا الحالي زاد حجم الأوقاف - والعقارية  منها خاصة - من حيث عددها وتنوعها الجغرافي وكذلك قيمة الأموال الوقفية التي تقدّر ما بين 350 – 500 مليار سعودي تتوزع ما بين الأموال الوقفية العامة والأوقاف في القطاع الأهلي. 
كواحدة من التطورات المؤسسية المهمة التي تشهدها المملكة منذ فترة تم إنشاء هيئة الأوقاف العقارية عام 1437 بهدف تنظيم العمل الوقفي وتعظيم الاستفادة منه لصالح الاقتصاد والمجتمع وتحفيزاً للأفراد والمؤسسات لكي يقبلوا على هذا العمل. وعلى الرغم من حداثة عمر هذه الهيئة إلا أنها بدأت بوضع إطار مؤسسي بأهداف استراتيجية وخطط عمل محكمة لتنظيم هذا القطاع الاقتصادي والخيريّ المهم في المملكة. 

وقبل وجود هيئة الأوقاف تم وضع إطار مؤسسي لكثير من الأوقاف الأهلية الخاصة برجال أعمال وشركات بحيث أنها تمارس أعمالها بشكل منظّم وبإدارات أقرب ما تكون إلى الاحتراف، وقد اطلعت على تجربة مهمة  تتمثل بأوقاف الشيخ محمد بن عبد العزيز الراجحي، حيث الإدارة الجيدة والمشاريع المتميزة من حيث الحجم والتنوع وعموم الفائدة. وأزعم أن كثيراً من الأوقاف الأهلية تدار بشيء من ذلك أو قريب منه.

توصيات لتطوير الأوقاف العقارية وتعزيز دورها الاقتصادي والخيري
على الرغم من أهمية دور هيئة الأوقاف والوقفيات الخيرية، إلا أن الطريق ما تزال طويلة لتفعيل هذا الكم الهائل من الأوقاف وتوجيهه بشكل أكثر فاعلية لخدمة الاقتصاد والمجتمع. ولعلي أؤكد على بعض الأمور أو أزيد عليها. فهناك أهمية بالغة لتطوير الرقابة الإدارية والمالية الخاصة بأنشطة الوقف العقاري خاصة والأوقاف الأخرى عامة. إن الاستفادة من تجارب دول متقدمة في إدارة الوقف سيكون فرصة ممتازة للبدء من حيث انتهى الآخرون. كما أن لتطوير مؤشرات كمية للتقييم والمقارنة سيمثل أداة مهمة للرقابة الإدارية والمالية على أنشطة الأوقاف الاقتصادية. ولعل هذا سيكون من أبرز المهام التي ستوكل إلى هيئة العقار بشكل أساسي، وقد يكون لوزارة الاسكان والغرف التجارية ومطوري العقارات دور في إعداد الأنظمة اللازمة وتأهيل الكوادر البشرية لذلك.

إن دور الأوقاف الخيري يمكن أن يتسع ليضاف إليه مجالات خيرية غير تقليدية - على أهمية الجوانب الحالية- ليشمل وقفيات عقارية لدعم البحث العلمي من ناحية دعم المراكز البحثية المتخصصة في كافة المجالات التي تهم المجتمع، وكذلك ابتعاث الطلاب المتفوقين. كما يمكن توجيه الأموال الوقفية لدعم المشاريع الريادية للشباب المبادرين، سواء أكانت استثمارات تقليدية أو استثمارات في مجال التكنولوجيا المتقدمة ونظم المعلومات. 

ومن الأمور المهمة التي يمكن أن تساهم في تطوير الدور الاقتصادي للأوقاف العقارية تأهيل الكوادر البشرية المتخصصة من طلاب تخصصات كليات الإدارة والاقتصاد وإيجاد شهادات مهنية متخصصة ك "شهادة ناظر متخصص" أو "شهادة محلل عقارات وقفية" أو  قريباً من ذلك. ويمكن لهيئة الأوقاف التعاون مع المعهد العقاري وهيئة التقييم في هذا الشأن.

وبهذا فإن النظر للأوقاف العقارية كمورد اقتصادي سيساهم بلا شك في تفعيل دوره الخيري والتخفيف عن المالية العامة للدولة بشكل مؤثر على المدى القصير والبعيد.


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top