11 خطوة ذكية لتأمين تمويل منظمتك في أوقات عدم اليقين – خارطة استراتيجية

ع ع ع

في عالم متقلب تسوده التحولات الاقتصادية والمخاطر الجيوسياسية والتغيرات التنظيمية، أصبحت المنظمات غير الربحية في المملكة العربية السعودية أمام ضرورة ملحة لإعادة النظر في استراتيجياتها التمويلية. وبينما تسعى المملكة لتحقيق أهداف رؤية 2030 من خلال تمكين القطاع غير الربحي ليكون مساهمًا بنسبة 5% في الناتج المحلي، فإن الاعتماد المطلق على مصادر تقليدية كالمنح الحكومية أو التبرعات الفردية لم يعد كافيًا وحده لضمان الاستدامة، بل يتطلب تنويعًا مدروسًا في مصادر الدخل.


المقال التالي يُقدم خارطة طريق عملية للمنظمات السعودية، مستلهمًا من تجربة دولية منشورة في موقع afpglobal.org، مع إسقاطات ذكية تتواءم مع واقعنا المحلي.


1. افهم مصادر تمويلك وتأثير التغيّرات عليها

الخطوة الأولى لأي منظمة تسعى للاستدامة هي أن تفهم تمامًا مصادر دخلها. كم نسبة التمويل التي تأتي من الجهات الحكومية، ومن الشركات، ومن الأفراد؟ وهل لدى المنظمة منح دورية من مؤسسات مانحة محلية؟

نقترح أن يكون لكل منظمة نظام تصنيف للمصادر المالية، يتضمن تحليلًا شهريًا للتدفقات النقدية المتوقعة. فالتقلبات ليست حكرًا على العالم الغربي، بل شهدنا في السعودية في فترات ماضية تأخّرًا في صرف بعض المنح أو توقف بعض الشراكات، ما يجعل هذا التحليل ضرورة إدارية لا ترفًا.


2. الشفافية الداخلية: العامل الأول في تحفيز الحلول

حين تظهر بوادر العجز المالي، لا بد أن يكون فريق العمل هو أول من يعلم. فالشفافية تُنتج الثقة، والثقة تخلق بيئة تستنفر العقول لاجتراح الحلول.

إن القلق الذي قد يشعر به الموظف بشأن مستقبله الوظيفي لا يمكن تجاهله، لكن مقابل ذلك، فإن تمكينه بالمعلومة يعزز من قدرته على التفاعل والمبادرة.

كذلك، لا بد من مشاركة هذه الصورة مع أعضاء مجلس الإدارة، وتقديمها بلغة الأرقام والتوقعات، مدعومة بخطط للاستجابة.


3. تواصل ذكي مع المانحين من الشركات

في السياق العالمي، تلجأ بعض الشركات لإعادة تقييم دعمها لبعض المشاريع التي قد يساء فهمها. في السعودية، قد لا تكون هذه الاعتبارات هي الدافع، لكن تراجع أرباح بعض القطاعات، أو تحوّل أولوياتها نحو مبادرات ESG أو المسؤولية المجتمعية ضمن برامج "الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية" يجعل من المهم أن تعرف كيف تفكر الشركات.

التوصية هنا أن تعيد النظر في عقود الرعاية/المنح الحالية، وجدولة لقاءات مع مديري المسؤولية الاجتماعية أو مديري التسويق في الشركات، لتفهم توجهاتهم الجديدة، وتقترح مسارات تعاون تتناسب مع تطلعاتهم، كتضمين مشروعك ضمن تقارير الاستدامة السنوية.


4. المؤسسات المانحة: ليس كل من يصمت غير مهتم

في حالات التحول، تميل بعض المؤسسات إلى الترقب، بينما تبادر أخرى بتوسيع تدخلاتها، كما فعلت مؤسسات كبرى في الخارج مثل Freedom Together وMcArthur. في السياق المحلي، نلحظ مبادرات مشابهة مثل توسع برامج المنح لدى مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية خلال جائحة كورونا.

لذلك، احرص على التواصل مع المؤسسات المانحة، لا فقط لتقديم طلبات تمويل، بل لفتح نقاشات استراتيجية حول توجهاتهم القادمة، وكيف يمكن لمشروعك أن يتكامل معها.


5. تهيئة المتبرعين الأفراد: الصراحة المدروسة تخلق ولاءً أطول

يُعد المتبرع الفرد أحد أكثر مصادر التمويل قابلية للتذبذب، لكنه أيضًا الأكثر استجابة حين يشعر بقيمة عطائه.

عند حدوث أزمة أو نقص في التمويل، تواصل مع كبار المتبرعين بطريقة شفافة ولبقة. اشرح لهم الفجوة، وشاركهم أثرها على البرامج، واطلب رأيهم ومساهمتهم في الحل.

ولا تنسَ أن تطور قاعدة بياناتك لتحديد من يمكن دعوته إلى دوائر "العطاء الطارئ"، واستلهم من نجاحات الجمعيات في نداءات رمضان أو حالات الكوارث.


6. صناديق DAFs: فرصة غير مفعّلة بعد

في السوق الغربية، تستخدم صناديق DAFs لتخصيص أموال التبرع مسبقًا، وتبلغ أصولها أكثر من 250 مليار دولار. ورغم غياب هذا النموذج كمؤسسة مستقلة في السعودية، فإننا نمتلك ما يشبهه ضمن الأوقاف النقدية أو المحافظ الوقفية أو مجالس الجمعيات.

تواصلك مع الواقفين أو المانحين الكبار لتفعيل جزء من هذه الأصول للبرامج التشغيلية قد يكون طوق نجاة مؤقت. ويُمكن الاستفادة من تجارب محلية ناجحة في تفعيل الأوقاف التشغيلية كأحد روافد الاستدامة، بما يتماشى مع التوجهات الجديدة في الحوكمة الوقفية. فقط تأكد من استيفاء الضوابط الشرعية والتنظيمية، وكن واضحًا بشأن كيفية إعادة التوازن لاحقًا.


7. الأوقاف: المرونة المؤقتة قد تنقذ الرسالة

إذا كانت منظمتك تستفيد من وقف مخصص لبرنامج معين، يمكنك التواصل مع الواقف أو الجهة الموقوف لها لطلب إذن مؤقت بإعادة تخصيص جزء من العائد لتغطية المصاريف التشغيلية.

الهيئة العامة للأوقاف تتفهم مثل هذه التحولات إذا كانت موثقة ومؤقتة ومبنية على مصلحة راجحة. كن صادقًا، وقدّم خطة استرداد مستقبلية تعيد للوقف توازنه مع احترام نية الواقف.


8. التعاون لا التنافس: مبدأ استراتيجي لا تكتيك طارئ

إذا كنت مضطرًا لتقليص البرامج، فكر في التعاون مع جمعيات أخرى تشترك معك في الرسالة، حتى لو كانت في مناطق أخرى أو في تخصصات مكمّلة.

ثق أن الجهات المانحة – من هيئة الأوقاف، إلى المنصات المانحة مثل إحسان – تثمّن روح العمل الجماعي، بل وتفضله أحيانًا في تقييم المشاريع.

التحالفات ليست فقط لتوفير التكاليف، بل لتوسيع الأثر، واستدامة الخدمات في ظل شح الموارد.


9. لا تبقَ وحيدًا: شارك في الجهود المشتركة

صوتك الفردي مهم، لكنه يصبح أقوى حين يُدمج ضمن تحالفات المرافعة الجماعية. في المملكة، بدأ المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بتعزيز ثقافة تمثيل صوت القطاع أمام الجهات الحكومية.

احرص على أن تكون جزءًا من هذه المنصات، وساهم في رفع التصورات، وتقديم البيانات، والدفاع عن أهمية استمرار البرامج الخدمية.


10. تواصل مؤثر مع صانعي القرار

حتى الآن، لا تزال التجارب المحلية في ممارسة آليات علنية لتقديم ما يشبه "التمويل المخصص المجتمعي (Earmarks)" أدنى من الاحتياجت وليست كما هو الحال في الكونغرس الأمريكي، لكن يمكنك رفع احتياجك عبر القنوات الرسمية مثل منصات المشاركة المجتمعية أو مخاطبة المجالس المتخصصة.

اجعل عرضك مهنيًا، واضح الأثر، مدعومًا بالشواهد، وتأكد أن صوتك سيصل عبر الطرق النظامية.


11. تحديث معلوماتك أولًا بأول

المعرفة هي أول أدوات المناعة في مواجهة الأزمات. تابع تقارير المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، والمنصات الإعلامية المتخصصة، وشارك فريقك في تدريبات أو ندوات تعزز قدرتهم على فهم الواقع والتكيّف معه.

كما أن مراجعة الحملات السابقة التي أطلقتها منظمتك في أوقات الأزمات – مثل الجائحة أو الأزمات المناخية – يمكن أن يوفر لك نموذجًا جاهزًا للتفعيل.


وأخيراً تذكر أن: الأزمات تكشف عن جوهر المؤسسات

لا توجد منظمة محصّنة بالكامل من تقلبات التمويل. لكن الفارق بين منظمة تنهار عند أول اهتزازة، وأخرى تصمد وتُبدع، هو ما تختاره إدارتها اليوم: الوضوح، المرونة، والمبادرة.

في المملكة، لا تزال الفرص كثيرة، والدعم متاح، والأنظمة مرنة بما يكفي لتمنح المنظمات مساحات واسعة من الحركة، إذا ما أحسنت التقدير والتخطيط.


تمت ترجمة هذا المقال بتصرف عن موقع afpglobal.org

تحت عنوان:

"Fundraising in Uncertain Times: How to Be Proactive to Secure Your Funding"

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top