من بين الأهداف المركزية التي يسعى إليها "البنك الثالث" في محتواه المعرفي، ليس فقط عرض التحديات والفرص، بل تهيئة بيئة للحوار النقدي الرصين، الذي يربط ما بين النصوص المنشورة والتجارب الميدانية الفعلية. وفي هذا السياق، جاء تعليق الأستاذ مستور آل دخيل على مقال "تحديات التوظيف في القطاع غير الربحي: دروس من العالم، وتطبيقات على الواقع السعودي" ليضيف بُعدًا مهمًا لم يُتناول في المقال الأصلي، رغم اتساع محاوره.
الأستاذ مستور، وهو محامٍ وممارس متخصص في الحوكمة والتخطيط المؤسسي، أشار إلى أن هناك تحديًا جوهريًا، يكاد يُمثل البنية التحتية غير المرئية لتحديات التوظيف جميعًا، وهو تحدي الموارد المالية، سواء من جهة محدوديتها، أو من جهة ضعف القدرة المؤسسية على تنميتها. وقد أوضح في تعليقه أن هذا التحدي لا يقل أهمية عن بقية ما ورد في المقال، بل قد يكون هو السبب الضمني وراء كل منها.
يتفرع هذا التحدي، كما بيّنه الأستاذ مستور، إلى مسارين:
أولًا: ضعف الموارد المالية ذاتها، وهو ما يشير إلى حالة تعاني منها كثير من المنظمات، حيث لا يغطي حجم الدخل الفعلي سوى الحد الأدنى من التكاليف التشغيلية، دون قدرة على التوسع أو تخصيص موازنات تنافسية للاستقطاب والاحتفاظ بالكوادر البشرية.
ثانيًا: ضعف تنمية الموارد، وهو ما يتعلق بغياب أو قصور القدرات المؤسسية لتوليد مصادر دخل جديدة، أو تنويع أدوات التمويل، أو توسيع شبكة الشراكات. ويرتبط ذلك غالبًا بعدة عوامل مثل غياب التخطيط المالي الاستراتيجي، أو نقص الكفاءات المتخصصة في تنمية الموارد، أو غياب الابتكار في تصميم المنتجات الاستثمارية والاجتماعية التي تجذب التمويل وتستحقه.
ما طرحه الأستاذ مستور يعيد ترتيب العلاقة بين تحديات التوظيف والعوامل التي تحيط بها، ويشير إلى أن معالجة التحديات الظاهرة — مثل الدوران الوظيفي، أو ضعف العلامة الوظيفية، أو غياب الاستراتيجيات — قد لا تحقق أثرًا حقيقيًا إذا لم تُبنَ على قاعدة مالية مستقرة وقابلة للنمو.
لهذا، فإن تضمين محور الموارد وتنميتها ضمن فهم تحديات التوظيف لم يعد خيارًا تكميليًا، بل ضرورة منهجية لأي منظمة تطمح إلى بناء فريق مستقر، مؤهل، ومتحفز للعمل.
في البنك الثالث، نثمّن هذا النوع من التفاعل المهني الذي لا يكتفي بالإشادة، بل يتقدم خطوة نحو إثراء النقاش وتوسيع مداراته، ونراه امتدادًا طبيعيًا لوظيفة المقال نفسه: أن يكون محفزًا للتفكير، لا مجرد نهاية له.
ونرحب، كما نرحب دائمًا، بكل تعليق مسؤول يضيف عمقًا أو يعيد ترتيب الأولويات، فالمعرفة تتطور بالنقاش، لا بالاكتمال
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
