من التعاطف إلى الإبداع: التفكير التصميمي لتحسين تجربة المستفيد في القطاع غير الربحي

ع ع ع

في زمن تتسارع فيه التقنية وتتغير توقعات الجمهور، لم يعد كافيًا أن نقدم خدمات جيدة فحسب، بل نحتاج إلى خدمات تُحاكي الاحتياجات الحقيقية للمستفيدين، وتولد لديهم شعورًا بالتقدير والرضا. هنا يظهر دور التفكير التصميمي (Design Thinking)، كمنهجية تضع الإنسان في قلب كل حل، وتحوّل البيانات إلى تجربة عاطفية وعملية في آن واحد.



ما هو التفكير التصميمي؟

التفكير التصميمي هو أسلوب لحل المشكلات المعقّدة بطريقة تركز على الإنسان أولًا، وتقوم على التعاطف مع المستفيدين، وفهم مشكلاتهم بعمق، وتجريب حلول متكررة معهم وليس عليهم.

يتكوّن من خمس مراحل مترابطة:

  1. التعاطف (Empathize): استكشاف مشاعر وتجربة المستفيد.

  2. التعريف (Define): صياغة المشكلة الحقيقية من منظور المستفيد.

  3. توليد الأفكار (Ideate): إطلاق العنان للحلول المتنوعة.

  4. النمذجة (Prototype): بناء نماذج أولية بسرعة وبتكلفة منخفضة.

  5. الاختبار (Test): تجريب الحلول مع المستفيدين وتحسينها بناءً على ملاحظاتهم.



لماذا يحتاجه القطاع غير الربحي؟

لأن التفكير التصميمي لا يُقدِّم حلولًا جاهزة، بل يبنيها من داخل المجتمع المستفيد. وهذا يغيّر جذريًا طريقة تطوير البرامج، وتصميم المنصات الرقمية، وتحسين تجربة التبرع أو الحصول على الخدمة.

في قطاعٍ مثل القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية، حيث تتنوع فئات المستفيدين والداعمين، يصبح هذا الأسلوب أداة فعّالة لـ:

  • تحسين تجربة المتبرع في المتاجر الإلكترونية.

  • تطوير خدمات رقمية تُراعي الفئات ذات الإعاقة أو محدودي التقنية.

  • بناء مبادرات مجتمعية بالشراكة مع الفئة المستهدفة.



مثال تطبيقي: متجر إلكتروني لجمعية خيرية

تخيل جمعية تعمل في رعاية الأيتام، وتدير متجرًا إلكترونيًا لجمع التبرعات.

المشكلة: معدلات إكمال التبرع منخفضة رغم الزيارات المرتفعة.


كيف نطبق التفكير التصميمي؟

  1. التعاطف: مقابلات مع الزوّار غير المتبرعين. ماذا شعروا؟ لماذا ترددوا؟

  2. التعريف: "المتبرع لا يشعر بالثقة في وصول أثر تبرعه، ويبحث عن شعور فوري بالرضا".

  3. توليد أفكار: ماذا لو قدّمنا فيديو قصيرًا يوضح الأثر؟ أو خيار تخصيص التبرع لطفل معين؟

  4. النموذج الأولي: صفحة بسيطة بتجربة التبرع المصغّرة + رسالة شكر مرئية.

  5. الاختبار: إطلاق A/B Testing لقياس أثر التحسين.


النتيجة؟

ارتفاع بنسبة 22٪ في إكمال عملية التبرع خلال أول أسبوع من الاختبار.



كيف تبدأ جمعيتك في تطبيقه؟

  • ابدأ بالتعاطف: نظم جلسات استماع مفتوحة مع مستفيدين أو متبرعين.

  • استثمر في أدوات مثل Journey Map وInterview Cards (متوفرة من Stanford d.school).

  • ابنِ نماذج أولية بسيطة: لا تنتظر الكمال، بل اختبر بسرعة.

  • سجّل ملاحظات واقعية: استخدم نموذج "I Like / I Wish / What If" لتحليل التغذية الراجعة.

  • كرّر، ولا تخف من الفشل المبكر.



التصميم يبدأ من الإنصات، لا من المبادرة

في العمل الخيري، لا يكفي أن نحسن النية أو نحشد الموارد. بل نحتاج أن نُصغي بعمق، ونتأمل في التجربة من وجهة نظر المستفيد، ثم نبتكر معه لا نيابةً عنه.
التفكير التصميمي ليس رفاهية، بل هو طريق لابتكار حلول أكثر إنسانية، وتأثيرًا، واستدامة.



المصادر:

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top