تفكيك الاستعمار في العمل غير الربحي: دعوة لإعادة تخيّل القيادة والاستقلالية

ع ع ع

في ظل الدعوات العالمية لإعادة بناء العمل الخيري على أسس أكثر عدالة وشمولًا، تقدم الكاتبة ميليسا ماري لوبيز في مقالها المنشور بمجلة Brainz Magazine بعنوان
Reimagining Philanthropy For Equity – Decolonizing Leadership & Autonomy
رؤية نقدية جريئة تدعو إلى تفكيك الهياكل التقليدية للقيادة والحوكمة داخل القطاع غير الربحي، انطلاقًا من مطلب العدالة العرقية وتمكين المجتمعات المحلية.

المقال لا يتوقف عند حدود التشخيص، بل يستعرض نماذج حقيقية – مثل منظمة SisterSong – ويقترح خطوات عملية لتحويل المنظمات من كيانات تُدار من الخارج إلى كيانات "منّا ولأجلنا"، حيث يُعاد توزيع السلطة، وتُستعاد الاستقلالية، ويُعاد تعريف الدور القيادي بوصفه مسؤولية لا امتيازًا.

رابط المقال الأصلي


لماذا هذا المقال مهم؟

في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تشهدها المملكة ضمن رؤية 2030، يبرز مفهوم "تفكيك الاستعمار" (Decolonization) كأداة تحليلية نافذة لفهم ديناميات السلطة داخل المنظمات غير الربحية، وخصوصًا في مسائل القيادة، والحوكمة، وتخصيص الموارد.
فالمقال لا يطرح مجرد شعارات، بل يقدم منظورًا يعيد تعريف العلاقة بين القيادة والعدالة، بين التمكين والاستقلالية، وبين النية الخيرية والبُنى التي قد تُكرّس التمييز دون وعي.


السياق العالمي: إرث استعماري في الأدوار القيادية

يشير المقال إلى أن كثيرًا من الهياكل الإدارية والمجالس القيادية في المنظمات غير الربحية في الغرب، لا تزال تعكس – عن قصد أو دون قصد – بُنى استعمارية قديمة، من خلال احتكار القرار، وتغييب المجتمعات المهمّشة عن قيادة المبادرات التي تمس حياتهم.

وتضرب الكاتبة مثالًا بمنظمة SisterSong الأمريكية، التي تعمل في مجال العدالة الإنجابية، بوصفها نموذجًا لمنظمة تضع العدالة العرقية والاستقلالية في صلب قيادتها وحوكمتها.


ماذا يعني "تفكيك الاستعمار" في سياقنا السعودي؟

رغم أن المملكة ليست مستعمَرة بالمعنى التاريخي، إلا أن منظماتنا قد ترث دون وعي نماذج هيكلية وفكرية غير منسجمة مع بيئتنا.
فحين ننسخ نماذج التمويل، أو نهج الحوكمة، أو مفهوم القيادة من بيئات خارجية دون تكييف، قد نُعيد إنتاج فجوات تمثيل، أو نُقصي مجتمعاتنا المحلية من قيادة مصيرها الخيري.

ومن هنا، تأتي أهمية المقال في إثارة الأسئلة الصحيحة:

  • من يملك القرار في المنظمات الخيرية لدينا؟

  • هل المجتمعات المستهدفة شريك في رسم الحلول أم متلقٍ فقط؟

  • كيف نُعيد بناء القيادة لتكون نابعة من احتياجات الواقع السعودي، لا مستوردة من نماذج دولية؟


من "التنوع الرمزي" إلى التمثيل الحقيقي

يؤكد المقال على أن إشراك المجتمعات يجب أن يتجاوز "التمثيل الرمزي" إلى سلطة حقيقية في اتخاذ القرار. وهذا يتطلب:

  • إعادة النظر في تشكيل مجالس الإدارة.

  • منح المجتمعات المستفيدة حق المشاركة في رسم السياسات.

  • تمكين فرق العمل الميدانية من إيصال صوتهم إلى قمة الهرم المؤسسي.


تخصيص الموارد: من المركزية إلى الاستقلال المجتمعي

واحدة من أبرز الأفكار في المقال أن العمل الخيري التقليدي يُكرّس المركزية، حيث يقرر المانح كيف تُصرف الأموال، ولمن تُعطى، وبأي شروط.
في حين أن العدالة تقتضي تفويض المجتمع المحلي بتحديد أولوياته، وصياغة نماذج التمويل الأنسب له.


نماذج عالمية ملهمة

إلى جانب SisterSong، يستعرض المقال نماذج مثل:

  • Borealis Philanthropy

  • Decolonizing Wealth Project

وهي منظمات تعيد تشكيل هياكلها نحو قيادة تشاركية، وحوكمة عادلة، وتمويل مستقل وشفاف، ما يجعلها مرجعًا مهمًا للمنظمات الساعية إلى تحول عميق، لا تجميلي.


نحو نموذج سعودي عادل ومستقل

إذا أردنا فعلاً إعادة تعريف العمل غير الربحي في السعودية، فالفرصة متاحة.
لدينا بيئة تشريعية متطوّرة، ومجتمع شاب واعٍ، وتطلعات وطنية واضحة في رؤية 2030.
ويبقى التحدي الأكبر: هل نملك الشجاعة لتفكيك الهياكل التي تُعيق الاستقلال والعدالة؟

القيادة ليست مجرد مناصب، بل مسؤولية أخلاقية لتوزيع السلطة، وتوسيع المشاركة، وتحقيق أثر يُلبي احتياجات من خُلق من أجلهم هذا القطاع.

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top