المشكلة عالمية… وليست حكرًا على جمعياتنا
سؤال “متى نعيّن أول موظف/مدير لتنمية الموارد؟” وما يرافقه من شدٍّ وجذب بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة ليس إشكالًا محليًا؛ إنه نمط عالمي يتكرر في أغلب المنظمات غير الربحية: تتذرّع الإدارة بعدم تفاعل المجلس مع جمع التبرعات، بينما يرى بعض أعضاء المجلس أن الحل يبدأ من تعيين مختص للتنمية. هذا المقال يقدّم إطارًا عمليًا لاتخاذ القرار وتحويل التعيين إلى استثمار ناجح بدل أن يكون عبئًا جديدًا—مع ملاحق تنفيذية تناسب سياقنا المحلي ونمو تأسيس الجمعيات.
من هي جوان غاري؟ (تعريف موجز بالكاتبة)
-
بدأت جوان غاري مسيرتها ضمن فريق إطلاق MTV عام 1981، ثم شغلت مناصب تنفيذية عليا في Showtime Networks.
-
عام 1997 انتقلت للقطاع غير الربحي كمديرة تنفيذية لـ GLAAD (من كبرى منظمات حقوق الـLGBTQ في الولايات المتحدة) وكانت حينها في أزمة مالية حادة؛ قادت تحولًا جعل المنظمة ذات حضور وتأثير إعلامي ملموس.
-
بعد GLAAD عملت في جمع التبرعات السياسي وتولّت أدوار قيادة في مجالس وطنية، ثم أسست Joan Garry Consulting وتُدرِّب قيادات منظمات كبرى وتواكب انتقالات القيادة.
-
مؤلفة لكتاب Joan Garry’s Guide To Nonprofit Leadership (طبعته الثانية 2020)، ومؤسِّسة Nonprofit Leadership Lab الداعم لآلاف القادة في المنظمات الصغيرة.
-
مدوّنتها تصل إلى أكثر من 100 ألف قائد شهريًا، وبودكاستها Nonprofits Are Messy حقق ملايين الاستماعات.
-
عملت مُحاضِرة مساعدة في جامعة بنسلفانيا، وهي خرّيجة جامعة فوردهم، وتقيم في نيوجيرسي.
خلاصة التعريف: مزجت جوان خبرتها الإعلامية والتجارية مع قيادة غير ربحية واقعية، لتنتج مبادئ عملية تعين المنظمات—خصوصًا الناشئة—على بناء وظيفة التنمية بوصفها وظيفة علاقات ومسؤولية مشتركة.
الفكرة الأولى: “يحتاج تحقيق المال إلى مال”
-
الدرس المركزي: قبل التعيين، وفِّر تمويلًا يغطي الراتب لمدة عام على الأقل. بعض القادة يجمعون عدّة سنوات مقدمًا كاستراتيجية أذكى لضمان الاستدامة.
-
ما يجب رفضه تمامًا: منطق “قبلة الموت” (Kiss of Death) القائل: “نوظّف مختص تنمية وسترتفع الإيرادات فورًا فتغطي الراتب.”
-
الحقيقة: التنمية عمل علاقات لا معاملات؛ يحتاج الموظف وقتًا لبناء الثقة والمسار. قد تظهر زيادة في العام الأول، لكنها أملٌ لا توقع.
تطبيق محلي (لجمعياتٍ في طور التأسيس)
-
أدخِل بند الراتب في ميزانية سنوية واقعية ومُمكنة، ولا تبدأ التوظيف إن لم يكن هناك مسار تمويلي واضح.
-
اعتبر التعيين استثمارًا تأسيسيًا لباكورة عمليات التنمية، وليس “مسدّادًا عاجلًا للفجوة”.
الفكرة الثانية: إدارة التوقعات العالية… قبل الإعلان عن الوظيفة
-
الخطر الخفي: أن يعتقد المجلس أنّ تعيين مختص التنمية يعفيه من دوره في فتح الأبواب وبناء العلاقات.
-
المطلوب من القيادة (رئيس المجلس والمدير التنفيذي): رسالة واضحة لا لبس فيها بأن المساءلة على المجلس ستزيد لا تنقص.
نقاط حديث جاهزة مع المجلس
-
التعيين يعزّز دور المجلس في فتح الأبواب وبناء العلاقات.
-
المدير التنفيذي يظل قائد التنمية بالشراكة مع المجلس.
-
نُقيِّم النجاح بمؤشرات العلاقات وخط الأنابيب (Pipeline) لا بالمتحصِّل النقدي الفوري.
الفكرة الثالثة: ثلاثة أسئلة قبل بدء التوظيف
-
هل يوجد “بطل للتنمية” داخل المجلس؟شخص بليغ ومتحمس يروّج للمنظمة ويقود ثقافة العطاء. إن وُجد، ضَعْه فورًا في لجنة التنمية.
-
هل يمكن للجنة التنمية أن تصبح منصة “مساءلة بين الأقران”؟وظيفتها تمكين المجلس من: فتح الأبواب، إشراك وجوه جديدة، العطاء وجلب العطاء—لا مراقبة الموظفين.
-
هل المدير التنفيذي مستعدّ لمستوى أعلى من المساءلة؟نجاح التعيين يتوقف على انخراطه الشخصي في التنمية وتخصيص وقت نوعي لها.
الفكرة الرابعة: لديك توظيف واحد فقط… ما الوصف الوظيفي الأنسب؟
-
“لا كبير جدًّا، ولا مبتدئ جدًّا.”
-
تجنّب لقب Director إذا لم توجد فرق تُدار بعد؛ الأنسب غالبًا Manager يقود العمليات ويربط المجلس والإدارة التنفيذية.
-
حتى تتسع الموارد، يظلّ المدير التنفيذي قائد التنمية بالشراكة مع المجلس.
لمحة عن الوصف الوظيفي المقترح (مع قوالب تنفيذية)
المسؤوليات الرئيسة
-
القيام بدور “رئيس أركان” للتنمية مع المدير التنفيذي والمجلس.
-
إدارة عمليات التنمية: قاعدة البيانات، التقويم السنوي، تتبّع الفرص، التقارير.
-
تهيئة المدير التنفيذي للمقابلات والزيارات ودفعه للخروج بطلبات دعم مدروسة.
-
بحوث المانحين المحتملين وتقسيمهم إلى شرائح وخطط تواصل.
-
التنسيق مع بطل التنمية في المجلس لتجهيز الأعضاء بما يحتاجونه للنجاح.
الملف الشخصي (الكفاءات والسلوكيات)
-
دقة عالية في التفاصيل، ومهارة مثبتة مع المتطوعين.
-
حزم بلا عدوانية؛ احترام للسلطة بلا مهابة.
-
شغف مُعْدٍ بالمنظمة ورسالتها.
خطة تشغيلية جاهزة (قابلة للتكييف محليًا)
أ. أول 90 يومًا
-
تدقيق سريع للجاهزية: ميزانية التنمية، نظام إدارة المانحين/CRM، سياسات القبول والشكر والتقارير.
-
خريطة أصحاب المصلحة: مجلس، مانحون حاليون، شركاء محتملون، مؤثرون محليون.
-
بناء قائمة أولية بـ 50 جهة/فرد مصنّفة بحسب احتمالية الدعم وحجم الهدية.
-
تشغيل آلية “شكر ذكي”: رسائل فورية + متابعة شخصية خلال 30–45 يومًا.
ب. من 90 إلى 180 يومًا
-
إطلاق تقويم تواصل رُباعي: نشرات موجزة، قصص أثر، زيارات دورية.
-
تدريب أعضاء المجلس على “فتح الأبواب” وسرد قصة الأثر.
-
تأسيس اجتماعات ثنائية شهرية للمدير التنفيذي مع مانحين محتملين.
ج. من 6 إلى 12 شهرًا
-
بناء خط أنابيب بمرحل: تعرّف/اهتمام/تجربة/طلب/تعزيز.
-
فعالية مصغّرة موجهة (Salon) لــ 15–25 شخصًا من أصحاب الاهتمام العالي.
-
اتفاقيات رعاية/شراكة مع 2–3 شركات محلية ذات ملاءمة رسالية.
مؤشرات أداء مقترحة (تُضبط محليًا):
عدد الاجتماعات النوعية مع مانحين محتملين شهريًا.
نمو قاعدة البيانات (إدخالات مؤهلة + اكتمال بيانات).
عدد الأبواب التي فتحها أعضاء المجلس.
نسبة التزام خطة الشكر والمتابعة ضمن أطر زمنية محددة.
قيمة التعهدات متعددة السنوات (إن وُجدت).
تجهيزات أساسية قبل الإعلان عن الوظيفة
-
ميزانية تغطي 12 شهرًا على الأقل.
-
نظام تتبع (حتى لو كان بسيطًا) لإدارة العلاقات والفرص.
-
سياسة قبول هدايا وشروط الشفافية والشكر والتقارير.
-
وصف أدوار RACI: من يطلب؟ من يفتح الباب؟ من يتابع؟ من يعتمد؟
-
رسائل أساسية موحّدة: قصة أثر مختصرة، أولويات تمويل واضحة، حزم رعاية (إن وُجدت).
مقابلات التوظيف: أسئلة تكشف “طريقة العمل”
-
احكِ عن موقفٍ بنيتَ فيه ثقة بسرعة مع متطوعين/مجلس. كيف فعلت ذلك؟
-
مثال على نظام متابعة ابتكرته لضمان عدم “تساقط” الفرص.
-
كيف دفعتَ مديرًا تنفيذيًا للخروج إلى الميدان بطلبات دعم محددة؟
-
حدّثنا عن فشلٍ حولته إلى درس قابل للتطبيق في التنمية.
أخطاء شائعة يجب تجنّبها
-
توقّع جمع فوري يغطي الراتب خلال أشهر قليلة.
-
تسليم ملف التنمية كاملًا للموظف الجديد وإخراج المجلس من المعادلة.
-
إطلاق لقب “Director” دون توفّر فريق أو ميزانية مناسبة.
-
قياس النجاح بالتحصيل النقدي فقط بدلًا من جودة العلاقات وخط الأنابيب.
ماذا قال القرّاء؟ ولماذا يهمّنا ذلك؟
-
قارئٌ شكر صراحة الطرح، وسيستخدم النقاط في حوار مجلسه: دليل على أهمية وضوح الرسائل للمجلس.
-
متطوعة VISTA سألت: كيف نبني الثقة بسرعة ونرفع المساءلة؟ الدرس: الثقة تُبنى بقواعد لعب واضحة ومسؤوليات موزعة لا “مُسقطة”.
-
مديرة عيّنت أول مدير للتنمية والاتصالات وألغت وظيفة تسويق لتمويله؛ تعمل بالتوازي على توطين المجلس وبناء لجنة تنمية—رسالة: البيئة الحاضنة جزء من الحل.
-
قارئةٌ قالت: “جاء في التوقيت المثالي”—إشارة إلى أن نافذة القرار قد تكون قصيرة ويجب استثمارها بخطة واضحة.
سياق سعودي: كيف نُحوّل الفكرة إلى ممارسة يومية؟
-
في ظل نمو تأسيس الجمعيات، يُستحسن البدء مبكرًا ببناء ثقافة التنمية داخل المجلس: تحديد “بطل تنمية”، وتفعيل لجنة تنمية مع جدول شهري واضح.
-
التعيين الأول في التنمية ليس عصًا سحرية؛ بل محور ينسّق جهود المجلس والإدارة ويُدير العمليات ويقود التعلم.
-
ركّز في العام الأول على جودة العلاقات، والزيارات الميدانية، وقصص الأثر الموثّقة؛ فهذه ما يصنع الثقة المحلية ويجذب الداعمين على المدى المتوسط.
نموذج وصف وظيفي عربي مختصر (قابل للنسخ والتعديل)
المهام:
-
إدارة عمليات التنمية وتقويمها وأدواتها وتقاريرها.
-
إعداد المدير التنفيذي والمجلس لاجتماعات وزيارات طلب الدعم.
-
بحوث وتأهيل المانحين المحتملين وتقسيمهم وخطط تواصلهم.
-
تنسيق لجنة التنمية وتفعيل دور بطل التنمية في المجلس.
-
تشغيل سياسة الشكر والمتابعة والتقارير للممولين.
المتطلبات:
-
خبرة عملية في إدارة المتطوعين والعمل مع المجالس.
-
تنظيم عالٍ، تواصل ممتاز، وحزم بنّاء.
-
شغف برسالة الجمعية وقدرة على سرد قصة الأثر.
مؤشرات الأداء (تُحدّد سنويًا):
-
عدد الأبواب المفتوحة عبر المجلس.
-
عدد اللقاءات النوعية المنجزة شهريًا.
-
نموّ قاعدة البيانات وجودة بياناتها.
-
الالتزام الزمني بالشكر والمتابعة.
-
قيمة التعهدات والاتفاقات قيد الإغلاق.
وأخيراً: لماذا يبدأ النجاح قبل نشر الإعلان؟
لأن أنجح تعيينٍ في التنمية لا يتعلّق بالسيرة الذاتية بقدر ما يتعلّق بالمسرح الذي يُنصَب حولها: ميزانية واقعية، مجلسٌ يتحمّل دوره، مدير تنفيذي حاضر ميدانيًا، ونظام بسيط يلتقط الفرص ويمنع تساقطها. حينها فقط يصبح التعيين رافعة استدامة، لا بندًا إضافيًا في المصروفات.
المصدر الأصلي للمقال:
https://joangarry.com/first-development-hire/
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
