العمل المرن والهجين: أداة تمكين واستدامة في القطاع غير الربحي السعودي

ع ع ع

نستعرض في هذا المقال خلاصة ما ورد في تقرير CIPD العالمي، مع إسقاطات عملية موجهة للقطاع غير الربحي في السعودية.

في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، لم يعد نمط العمل التقليدي هو الخيار الوحيد للمؤسسات التي تسعى للفعالية والأثر. تقرير حديث صادر عن جمعية تنمية الأفراد المهنية (CIPD) في المملكة المتحدة، بعنوان "Flexible and Hybrid Working Practices"، يسلط الضوء على أهمية العمل المرن والهجين كأحد أبرز تحولات بيئات العمل الحديثة.

وبينما تقود قطاعات الأعمال هذا التحول عالميًا، فإن القطاع غير الربحي السعودي يجد نفسه أمام فرصة لإعادة تعريف بيئة العمل بما يتماشى مع رؤية 2030، ويعزز من جاذبيته واستدامته وكفاءته التشغيلية.


أولًا: ما هو العمل المرن والهجين؟

  • العمل المرن (Flexible Working):
    هو أي نمط عمل يختلف عن الدوام الكامل التقليدي من المكتب. يشمل ذلك العمل بساعات مرنة، أو أيام أقل، أو خيارات العمل الجزئي، أو الدوام المكثف في أيام محددة.

  • العمل الهجين (Hybrid Working):
    هو نموذج يجمع بين العمل من المكتب والعمل عن بُعد، بطريقة تتيح للموظف التنقل بين البيئة الفيزيائية والافتراضية لأداء مهامه.


ثانيًا: لماذا يجب على القطاع غير الربحي التفكير جديًا في تطبيق هذا النموذج؟

1. تحسين الجاذبية الوظيفية في سوق تنافسي

تشير بيانات التقرير إلى أن العمل المرن بات معيارًا مهمًا عند اتخاذ قرار الانضمام أو البقاء في جهة عمل. بالنسبة للجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تسعى لاستقطاب الكفاءات، فإن إتاحة خيارات مرنة يمكن أن تعوّض محدودية الرواتب أو الامتيازات المالية.

2. رفع مستويات الرضا والإنتاجية

أكثر من نصف الموظفين في الدراسة أفادوا بأن العمل المرن ساهم في تحسين توازنهم بين الحياة والعمل، مما انعكس إيجابيًا على مستويات الإنتاجية، والولاء التنظيمي، والاستقرار الوظيفي.

3. دعم التنوع والإدماج

العمل المرن يساعد على إدماج شرائح كانت مستبعدة من سوق العمل، مثل الأمهات، أو الأشخاص ذوي الإعاقة، أو من يقطنون في مناطق نائية.


ثالثًا: التحديات التي يجب الانتباه لها

تُظهر نتائج التقرير أنه رغم المكاسب، فإن تطبيق هذا النمط ليس دون صعوبات، خصوصًا في المنظمات ذات البنية التقليدية. ومن أبرز هذه التحديات:

1. ضعف البنية التحتية التقنية

غياب أنظمة الاتصال والتوثيق الرقمي يؤثر على قدرة الفرق على التنسيق والمتابعة عن بعد، مما يقلل الفعالية ويزيد من احتمالية سوء الفهم.

2. إدارة الأداء عن بعد

بعض المديرين يفتقرون إلى المهارات اللازمة لإدارة فرق موزعة جغرافيًا، مما يؤدي إلى فجوات في التقييم أو ضعف في المحاسبة.

3. تآكل الثقافة التنظيمية

مع تباعد الزملاء مكانيًا، يمكن أن تتأثر الروح الجماعية، ويضعف الانتماء المؤسسي، خصوصًا لدى المنضمين الجدد.


رابعًا: التوصيات التي يقدمها التقرير

لضمان نجاح تجربة العمل المرن والهجين، يوصي التقرير بعدة ممارسات، يمكن للقطاع غير الربحي في السعودية تبنيها بمرونة حسب طبيعة كل جهة:

1. تطوير سياسة مكتوبة للعمل المرن

من المهم أن تكون هناك سياسات واضحة ومعلنة تحدد أنواع العمل المرن المتاحة، وآليات التقديم والموافقة، والمستحقات الوظيفية لكل نوع.

2. تدريب القادة على الإدارة المرنة

ينبغي بناء قدرات قيادية متخصصة في التعامل مع الفرق المرنة: التواصل الفعّال، إدارة الأداء عن بعد، تعزيز التماسك الثقافي.

3. تصميم العمل من البداية بمرونة

لا يكفي السماح بالعمل المرن كمبادرة فردية، بل يجب إعادة تصميم الوظائف بطريقة تُمكّن تنفيذها مرنًا دون المساس بجودة المخرجات.

4. إشراك الموظفين في التصميم

المشاركة تعزز الالتزام. لذا، يوصى بإجراء استطلاعات ومجموعات نقاش لفهم أولويات الموظفين، وتكييف النماذج بما يتناسب مع السياق المؤسسي.

5. مراقبة الأثر والتحسين المستمر

التقييم لا بد أن يكون دوريًا ويعتمد على مؤشرات مثل: نسبة الرضا، الإنتاجية، الغياب، ودوران الموظفين.


خامسًا: كيف يمكن مواءمة هذه التوصيات مع واقع القطاع غير الربحي في المملكة؟

رغم خصوصية العمل الخيري والاجتماعي، إلا أن تطبيق العمل المرن ليس مستحيلاً، بل قد يكون عاملًا مساعدًا في:

  • تقليص النفقات التشغيلية (مثل تكاليف المكاتب).

  • الوصول إلى الكفاءات خارج المدن الكبرى.

  • تعزيز التنوع والتمكين للمرأة.

  • مواءمة العمل مع طبيعة البرامج الميدانية والموسمية.

كما أن مرونة العمل تتماشى مع توجهات وزارة الموارد البشرية في تعزيز كفاءة سوق العمل، ورفع مشاركة القوى العاملة الوطنية، خصوصًا في القطاع غير الربحي الذي يشهد نموًا متسارعًا.


لا ترف، بل ضرورة

لم يعد العمل المرن والهجين خيارًا نخبويًا أو رفاهية تنظيمية. إنه تحول استراتيجي يجب أن تتعامل معه مؤسسات القطاع غير الربحي كأداة تمكين واستدامة، لا كتنازل عن الانضباط أو الجودة.

والمهم ألا نُسقط هذا التحول من منظار تقني فقط، بل نربطه بقيمنا الإسلامية والاجتماعية في تحقيق العدل، مراعاة الظروف، وتحفيز الإبداع والمسؤولية الذاتية.


وهنا يسعدنا في البنك الثالث أن نقدم لك أبرز ما ورد في التقرير من معلومات:


أولًا: سياق التقرير ومنهجيته

صدر التقرير عن منظمة CIPD البريطانية، ويستند إلى مسح شمل أكثر من 2000 صاحب عمل و2000 موظف في المملكة المتحدة خلال عام 2023، ويستعرض آراء الطرفين حول ممارسات العمل المرن والهجين، ومدى انتشارها، وتأثيرها على الأداء والرفاه والإنتاجية.

ورغم أن البيانات تخص المملكة المتحدة، إلا أن الاتجاهات العامة يمكن أن تُلهم العاملين في القطاع غير الربحي في السعودية، خاصة في ظل التوسع التنظيمي في القطاع، وتحولاته ضمن رؤية السعودية 2030.


ثانيًا: أبرز التحولات في ممارسات العمل المرن والهجين

1. انتشار العمل المرن:

  • 91% من أصحاب العمل يقدّمون شكلاً من أشكال العمل المرن.

  • لكن فقط 60% من الموظفين أفادوا بأن لديهم ترتيبات مرنة فعلًا.

الفجوة بين العرض والاستخدام تشير إلى وجود عوائق ثقافية أو إدارية تحد من التطبيق الفعلي.

2. تنوّع صيغ العمل المرن:

من أكثر الصيغ استخدامًا أو رغبةً لدى الموظفين:

  • العمل من المنزل (50%)

  • أسبوع عمل من 4 أيام دون خفض في الراتب (45%)

  • ساعات مضغوطة (25%)

  • ساعات مرنة (20%)

في القطاع غير الربحي، خاصة لدى الجمعيات ذات الطابع الميداني، يمكن تبني هذه الصيغ تدريجيًا عبر فرق الدعم أو التنسيق.


ثالثًا: الأسباب والدوافع وراء التحول نحو المرونة

بالنسبة لأصحاب العمل:

  • 60% يهدفون لجذب الكفاءات والاحتفاظ بها.

  • 54% لتعزيز الصحة النفسية للموظفين.

  • 42% لتحسين المرونة التنظيمية.

بالنسبة للموظفين:

  • 83% يرون أن المرونة تدعم توازن الحياة والعمل.

  • 40% يؤكدون أنها وسيلة لتقليل التكاليف.

  • 37% يرون أنها تمنحهم وقتًا لهواياتهم أو مسؤولياتهم الأخرى.

تبيّن هذه الأرقام أن المرونة لم تعد ترفًا تنظيميًا، بل مطلبًا استراتيجيًا.


رابعًا: التحديات التي تعيق التوسع في العمل المرن والهجين

  1. غياب العدالة في الوصول للمرونة:

    • فقط 28% من الموظفين لديهم إمكانية مرنة فعلية.

    • أصحاب الوظائف الخط الأمامي (ميدانية، تشغيلية) لا يحصلون على نفس الفرص.

  2. التصورات السلبية من القادة:

    • 57% يعتقدون أن الحضور للمكتب يعزز الروابط.

    • 55% يرون أن التعاون أفضل وجهًا لوجه.

    • 47% يظنون أن التفاعل المباشر يعزز الاندماج.

  3. التحديات التقنية والإدارية:

    • 42% من القادة يواجهون صعوبة في إعادة الموظفين للمكتب عند الحاجة.

    • 41% يواجهون صعوبة في إدارة فرق عن بُعد من حيث الأداء والرفاه.

    • مشكلات في الاتصال، الثقافة، تقييم الأداء، والانتماء.

في الجمعيات، قد يتضاعف هذا التحدي بسبب ضعف البنية التقنية أو قلة تدريب المديرين.


خامسًا: هل أثرت المرونة على الإنتاجية؟

  • 38% من المؤسسات شهدت زيادة في الإنتاجية بفضل العمل الهجين.

  • في المقابل، 13% فقط لاحظت انخفاضًا.

  • و46% من القادة يرون أن موظفيهم أكثر إنتاجية في نماذج العمل عن بعد/الهجين.

دلالة واضحة على أن العمل المرن لا يضر الكفاءة، بل قد يعززها في بيئة ناضجة إداريًا.


سادسًا: الفرص الكامنة للقطاع غير الربحي في السعودية

يمكن للقطاع أن يستفيد من هذه الاتجاهات عبر:

  1. تقليل النفقات التشغيلية (الإيجارات، المكاتب).

  2. الوصول إلى كفاءات خارج المدن الكبرى (العمل من مناطق نائية).

  3. تحقيق تمكين وظيفي للمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة.

  4. تعزيز ولاء الموظفين وتقليل الدوران الوظيفي.


سابعًا: توصيات عملية للمنظمات غير الربحية السعودية

  1. صياغة سياسة مكتوبة وواضحة للعمل المرن تشمل أنواع المرونة وآلية طلبها.

  2. تدريب المديرين على قيادة الفرق المرنة، خاصة من حيث التحفيز والتقييم.

  3. ضمان العدالة في الوصول للفرص بين العاملين حضورياً وعن بُعد.

  4. إشراك الموظفين في تصميم النموذج المناسب حسب طبيعة كل دور.

  5. مراجعة دورية للأثر التنظيمي، من خلال مؤشرات واضحة مثل الإنتاجية والرضا.


ثامنًا: تحذير من فجوة العدالة والإدماج

  • 39% من أصحاب العمل أبدوا قلقهم من أن العمل عن بعد قد يؤدي إلى التمييز غير المقصود في:

    • فرص التطور المهني

    • إشراك الموظفين في المشاريع

    • قرارات الترقية أو الحوافز

يجب ألا يُنظر إلى المرونة كميزة فئوية، بل كأداة لتحقيق الإنصاف المهني.


نحو مرونة واعية تحفظ الأثر 

إن بناء بيئة عمل مرنة في القطاع غير الربحي السعودي ليس مجرد تبنٍ لنموذج عالمي، بل استثمار استراتيجي في الاستدامة والكفاءة والعدالة.
والمرونة حين تُدار بذكاء تصبح قوة جذب واحتفاظ وتحفيز، لا تهديدًا للانضباط.


النتائج الرئيسية

توفر العمل المرن واستخدامه:

الغالبية العظمى من أصحاب العمل (91%) يقولون إنهم يوفرون شكلاً من أشكال ترتيبات العمل المرن. أما الموظفون، فيذكرون أن أكثر أنواع العمل المرن التي يستخدمونها هي:

  • العمل من المنزل خلال ساعات العمل الرسمية (50%)

  • وساعات العمل المرنة (flexi-time) بنسبة (38%)


طلب غير ملبى لبعض أنواع العمل المرن:
عند سؤال الموظفين عن أنواع ترتيبات العمل المرن التي سيستخدمونها إذا كانت متاحة لهم، أشاروا إلى مجموعة من الخيارات، كان أبرزها:

  • أسبوع عمل من 4 أيام دون خفض في الراتب (45%)

  • ساعات العمل المضغوطة (25%)

  • ساعات العمل المرنة (flexi-time) (20%)


الإعلان عن مرونة الوظيفة عامل جذب مهم:
يرى 61% من أصحاب العمل أن من المهم تقديم العمل المرن كخيار عند الإعلان عن الوظائف، وذلك من أجل جذب الموظفين والتعامل مع نقص المهارات أو القوى العاملة.


الوصول إلى العمل المرن ليس متاحًا للجميع بشكل متساوٍ:
يُفيد اثنان من كل خمسة من أصحاب العمل بأن بعض الموظفين فقط (28%) أو عدد قليل منهم (12%) هم من يستطيعون العمل بمرونة.


أثر قانون علاقات العمل (العمل المرن) لعام 2023:
ذكر 18% من أصحاب العمل أنهم لاحظوا زيادة في طلبات العمل المرن منذ إدخال "حق الطلب من أول يوم عمل".

ومع ذلك، فإن 30% من الموظفين يقولون إنهم لا يشعرون بالراحة عند طلب ترتيبات عمل مرنة رسمية (أي تتضمن تغييرًا في العقد)، ونسبة مشابهة (31%) يقولون الشيء ذاته بخصوص طلب ترتيبات مرنة غير رسمية (أي دون تغيير في العقد).


العمل الهجين وتأثيره:
تقول 74% من المؤسسات إنها تطبّق نموذج العمل الهجين، بانخفاض طفيف عن نسبة 84% في استطلاع مماثل أجرته CIPD في عام 2023.

وعند النظر إلى التأثير الأوسع للعمل الهجين، فإن أصحاب العمل يرون في الغالب أنه قد حقق أثرًا إيجابيًا في الجوانب التالية:

  • جذب الكفاءات والاحتفاظ بها

  • القدرة على التوظيف من نطاق جغرافي أوسع داخل المملكة المتحدة

  • الرفاه المالي للموظفين

  • البيئة


يرى أصحاب العمل أن أبرز الآثار السلبية للعمل الهجين ظهرت في الجوانب التالية:

  • قدرة المديرين على قيادة الفرق بفعالية

  • ارتباط الموظفين بهدف المنظمة

  • ثقافة المنظمة


الحضور الإلزامي إلى مقر العمل:
65% من المؤسسات تشترط على الموظفين الحضور إلى مقر العمل لعدد أدنى من الأيام أسبوعيًا أو شهريًا.
وبشكل عام، فإن 14% من أصحاب العمل الذين يتيحون العمل الهجين يخططون إما لفرض عدد أيام إلزامية جديدة، أو لزيادة عدد الأيام الحالية خلال الاثني عشر شهرًا القادمة.


التصورات حول إنتاجية المنظمة لا تزال إيجابية:
يعتقد 41% من أصحاب العمل أن زيادة العمل من المنزل أو بنظام العمل الهجين أدت إلى ارتفاع في الإنتاجية أو الكفاءة داخل مؤسساتهم،
في حين يرى 16% أن هذه الزيادة أدت إلى انخفاض في الإنتاجية أو الكفاءة.



العمل المرن أحدث أثرًا إيجابيًا في جودة الحياة وآفاق المسار المهني:
80% من الموظفين يقولون إن العمل المرن كان له أثر إيجابي على جودة حياتهم،
في حين يرى ثلث الموظفين أن العمل المرن ساهم بشكل إيجابي في تحسين مسارهم المهني.


نقص المرونة يدفع البعض لتغيير وظائفهم:
3% من الموظفين أفادوا بأنهم غادروا وظائفهم خلال العام الماضي (منذ يناير 2024) بسبب غياب ترتيبات العمل المرن.
ويمثل ذلك ما يقارب 1.1 مليون عامل بشكل إجمالي.


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top