التأمين التكافلي في باكستان: درسٌ غير مستغل للقطاع الوقفي السعودي

ع ع ع

هلال بن حسين القرشي

رئيس تحرير البنك الثالث | موسوعة الإثراء المعرفي للقطاع غير الربحي

حين حضرت لقاء "الاستدامة الوقفية وصناديق الادخار" الذي نظمته شركة استثمار المستقبل في الرياض، لفت انتباهي عرض تجربة شركة ناشئة في باكستان، استطاعت أن تُحدث تحولًا لافتًا في بيئة معقدة، من خلال منتج واحد: التأمين التكافلي.

شركة حديثة نسبياً، حصدت تصنيفًا ماليًا مميزًا (A+) وهو الأول من نوعه لشركة ناشئة، وامتلكت قاعدة تضم أكثر من 4000 عميل، وشراكات مع أربعة بنوك محلية، وتخطط للتوسع عبر شركات الاتصالات، متوقعةً الوصول إلى ملايين العملاء.

قد يبدو ذلك إنجازًا تقليديًا في عالم التأمين، لكن المختلف هنا أن هذه الشركة لا تبيع "وثائق"، بل تقدّم أملًا وقائيًا للفقراء، بآلية تتماشى مع أحكام الشريعة، وتربط بين الادخار، والاستثمار الوقفي، والأمن الاجتماعي.


التأمين التكافلي كرافعة للاستدامة الوقفية

في التجربة الباكستانية، كان التأمين التكافلي أكثر من مجرد منتج مالي. فقد:

  • أعاد صياغة العلاقة بين الفرد والاقتصاد، عبر إشراك العميل كـ"شريك" في المحفظة لا كـ"مؤمَّن عليه" فقط.

  • وفر غطاءً ماليًا لتمويل رحلة الحج ضمن برامج ادخار جماعي.

  • استُخدم كوسيلة لتأمين حياة الموظفين في الشركات، بموجب التزام قانوني، مما ضاعف قاعدة المستفيدين.

  • أصبح ذراعًا تمويلية لصناديق ادخار وقفية، تشكل مصادر دخل متجددة ومستقرة.

كل هذه الوظائف اجتمعت في كيان تكافلي واحد، يعمل ضمن سوق نامٍ ويعاني أصلاً من ضعف الثقة المالية. ومع ذلك، نجح في تأسيس شبكة أمان اجتماعية واقتصادية لم تكن ممكنة من خلال أدوات الدولة وحدها.


لماذا لم نرَ هذا في السعودية؟

رغم امتلاك المملكة منظومة مالية إسلامية متقدمة، إلا أن التأمين التكافلي ما زال في خانة المنتجات الهامشية، ويواجه تحديات تنظيمية، من أبرزها:

  • الفصل الصارم بين القطاع الربحي وغير الربحي، ما يصعّب تأسيس شركات وقفية تؤمن خدمات طويلة الأجل بشروط سوقية.

  • غياب حوافز تشريعية للاستثمار الوقفي عبر صناديق ادخار مؤمّنة، سواء للأفراد أو الشركات.

  • عدم وضوح الأطر القانونية للتكافل كأداة وقفية، تتيح تراكم المدخرات واستخدامها في دعم مشاريع دينية أو اجتماعية مثل الحج.

في اللقاء، أشار المتحدث (أ. عبدالعزيز بن جاسم بورحمه الرئيس التنفيذي لشركة الركن الخامس العربية المحدودة) إلى هذه العوائق، مؤكد أن البنية التنظيمية ما زالت تعتبر التأمين "خدمة تجارية"، لا "أداة تنموية". وهذا ما يجب تغييره.


تصور لحل ممكن: صناديق تكافلية وقفية

ما نحتاجه في السعودية ليس استيراد شركة تأمين تكافلي، بل تطوير منتج تكافلي هجيني، تتبناه الجهات الوقفية بالشراكة مع البنوك الإسلامية، وتحت إشراف هيئة الأوقاف بالشراكة مع البنك المركزي السعودي.

هذا الصندوق يمكن أن يكون:

  • أداة ادخار تكافلية لحج الفقراء، تسهم فيها العائلات من ولادة الطفل حتى بلوغه.

  • صندوق تأمين وقفي للمتعثرين ماليًا، يغطيهم من عوائد استثمارية وقفية لا من مساعدات مؤقتة.

  • منتجًا شرعيًا بديلًا عن التبرعات غير المستدامة، يوفر تغطية وخدمة، لا مجرد إحسان.


هل نملك الجرأة؟

النموذج الباكستاني ليس كاملًا، وقد أشار اللقاء إلى تحدياته في التوسع والتنظيم ومواجهة الفساد، لكنه يبرهن أن الابتكار لا يحتاج بالضرورة إلى اقتصاد قوي، بل إلى إرادة تشريعية وشراكة ذكية بين القيم والسوق.

إذا أردنا للوقف في السعودية أن ينتقل من الإحسان إلى التأثير، ومن المبادرات إلى السياسات، فإن التأمين التكافلي أحد أكثر الأدوات إلحاحًا وجدوى، لكنه ما زال في انتظار جهة تجرؤ على تبنّيه.


يمكنك مشاهدة اللقاء كامل على قناة استثمار المستقبل:

اللقاء كامل هنا.

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top