في زمنٍ تُعيد فيه المجتمعات صياغة علاقتها بمؤسسات الدولة، لا سيما مع تصاعد أهمية القطاع غير الربحي عالميًا، باتت الحاجة ملحّة لإعادة تعريف مفهوم "المشاركة"، ليس فقط كممارسة ميدانية، بل كأداة تأثير. في هذا السياق، يُمثل التواصل مع المجالس النيابية أو الاستشارية أحد أبرز مسارات التأثير المنظم. وفي السعودية، يقف مجلس الشورى كمؤسسة قادرة على تحويل الصوت المدني إلى توصية، والتوصية إلى أثر.
لماذا يُعد مجلس الشورى قناة تأثير استراتيجية؟
رغم أن مجلس الشورى لا يُشرّع القوانين بشكل مباشر، إلا أن دوره الاستشاري يجعل منه ركيزة في صناعة القرار، خاصة حين يناقش تقارير الجهات الحكومية، أو يراجع الأنظمة واللوائح. كثير من مخرجاته تُسهم في بلورة السياسات العامة، وتوجيه الرؤية التنفيذية في القطاعات المختلفة، ومنها القطاع غير الربحي.
1. غياب الصوت = غياب التأثير
عند مناقشة الأنظمة، إذا لم يكن للقطاع غير الربحي حضور فعّال، فستُبنى التوصيات غالبًا على بيانات مجتزأة، أو تصورات أحادية من داخل الجهاز الحكومي فقط.
إن تقديم وجهة نظر المجتمع المدني — المستندة إلى بيانات، وأمثلة ميدانية، وتقييمات أثر — قد يصنع فرقًا في صياغة مادة نظام، أو تحفظ على مادة أخرى.
2. كيف نتواصل؟ خطوات عملية
الرصد الدوري لأعمال المجلس: متابعة جدول الجلسات، تقارير اللجان، والمواضيع قيد الدراسة.
صياغة مذكرات سياسية مختصرة (Policy Briefs): تُلخّص القضية، وتوضح موقف القطاع، وتقترح حلولًا قابلة للتنفيذ.
اللقاءات المنظمة: طلب لقاءات رسمية مع أعضاء اللجان المعنية، خاصة لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب.
تفعيل الشبكات: التعاون بين الجمعيات ذات الاهتمامات المشتركة لتوحيد الصوت، وتقديم خطاب جمعي.
من المجالس المفتوحة إلى المؤسسات المؤثرة: كيف تطور دور الشورى في السعودية؟
من المهم للعاملين في القطاع غير الربحي أن يدركوا أن مجلس الشورى لم يأتِ كفكرة معاصرة أو تطور إداري حديث، بل هو امتداد لنهج الشورى الذي التزم به حكام المملكة منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1745. فقد كان المجلس وما زال انعكاسًا لمبدأ أصيل من مبادئ الحكم الإسلامي، حيث اتخذ الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن من مجلس الشورى قاعدة في إدارة الحكم وتدبير شؤون الدولة، وطبّق هذا المبدأ في مجلسه العام، وفي اجتماعاته مع العلماء، ورؤساء القبائل، وأعيان البلاد.
وفي عام 1927، افتتح الملك عبد العزيز أول دورة رسمية لمجلس الشورى، مؤكدًا في خطابه التأسيسي أن الشورى ليست مجرد إجراء بل إقامة للسنة، وإزالة للبدعة، وتجسيد لروح المسؤولية في الحكم.
ثم جاء عام 1992، ليشكّل نقطة تحول عبر صدور نظام الشورى بصيغته التنظيمية الحديثة، الذي أعاد هيكلة المجلس ضمن أطر واضحة، ولجان متخصصة، وعضوية تستند إلى الكفاءة والخبرة. وقد تعزز هذا التحول في عهد الملك فهد، ثم شهد نقلة نوعية في عهد الملك عبد الله حين تم إدخال المرأة كعضو كامل العضوية عام 2013.
هذا التطور من المجالس المفتوحة إلى المجلس المؤسسي لا يعني نهاية دور المجتمع، بل العكس: هو دعوة مفتوحة للقطاعات الحيوية – وعلى رأسها القطاع غير الربحي – لأن تنتقل من الهامش إلى الطاولة، ومن المتابعة إلى المشاركة.
3. المجلس لا يرفض صوت المجتمع
على العكس مما يُشاع، فإن كثيرًا من أعضاء المجلس يرحبون بمبادرات المجتمع المدني، بل ويبادرون أحيانًا بطلب البيانات والتقارير من الجهات المختصة في القطاع.
لكن غياب الحضور المؤسسي من القطاع غير الربحي هو ما يجعل هذه العلاقة غير منتظمة، وأقل تأثيرًا.
4. كيف نلهم الثقة؟
بلغة هادئة، دقيقة، مبنية على أرقام.
بمقترحات عملية تتفهم المنظور التنظيمي.
بعدم الاكتفاء بنقد المشكلة، بل تقديم نماذج حلول من واقع القطاع.
من الاستماع إلى التأثير
مجلس الشورى ليس بوابة مغلقة، بل نافذة تأثير تنتظر من يطرقها باحترام، ومعرفة، وتصميم.
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
