تمثل الثقة المجتمعية الركيزة الأساسية التي يقوم عليها العمل غير الربحي عالميًا. وقد أشار المقال المشار إليه إلى خطورة إدخال السياسة الحزبية في عمل المنظمات الخيرية بالولايات المتحدة، باعتبار ذلك تهديدًا مباشرًا لنزاهة هذه المؤسسات. ورغم اختلاف السياق السعودي من حيث غياب الانقسام الحزبي، إلا أن جوهر الفكرة يظل صالحًا للتطبيق: حماية نزاهة المنظمات الخيرية هي الضامن لاستمرار رسالتها وتعزيز أثرها.
أولًا: الثقة كعنصر بنيوي
تشير الأدبيات الدولية إلى أن الثقة ليست مجرد قيمة أخلاقية، بل هي أصل استراتيجي يمكّن المنظمات غير الربحية من:
-
استقطاب المتبرعين والداعمين.
-
بناء شراكات مستدامة مع القطاعين العام والخاص.
-
تحقيق الشرعية الاجتماعية والاعتراف المؤسسي.
ومن دون هذه الثقة، تفقد المنظمات أهم مقومات بقائها.
ثانيًا: مخاطر تآكل الثقة في السياق السعودي
بينما ينشغل السياق الأمريكي بخطر "الحزبية"، فإن التحديات المحلية يمكن أن تتجلى في صور مختلفة، منها:
-
الشخصنة: اختزال رسالة الجمعية في أشخاص بعينهم.
-
ضعف الإفصاح: غياب تقارير مالية وأنشطة دورية واضحة.
-
التحيز الفئوي: تركيز الخدمات على مجموعات محدودة بدلًا من المجتمع الأوسع.
-
التسييس غير المباشر: ربط العمل الخيري بمصالح ضيقة أو أجندات فردية.
كل هذه الممارسات تضعف منسوب الثقة وتعرض الجمعيات لفقدان الشرعية أمام المجتمع والدولة على حد سواء.
ثالثًا: الحوكمة كإطار وقائي
تؤكد اللائحة التنفيذية لنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية في المملكة العربية السعودية على مبادئ الاستقلالية والشفافية والالتزام بالأنظمة. وتطبيق هذه المبادئ عمليًا يعني:
-
نشر تقارير دورية قابلة للقياس والتحقق.
-
الالتزام بالحياد في تقديم الخدمات.
-
ضمان تمثيل عادل لمختلف الفئات في مجالس الإدارة.
-
حماية الموارد من أي توظيف غير مرتبط بالرسالة الأساسية.
رابعًا: التوصيات
-
إدماج مؤشرات الثقة في التقييم المؤسسي: بحيث لا تُقاس كفاءة الجمعيات فقط بالميزانيات والأنشطة، بل أيضًا بمستوى الثقة المجتمعية.
-
تعزيز ثقافة الإفصاح: عبر نشر البيانات المالية والأنشطة بانتظام، بلغة يفهمها المجتمع.
-
ترسيخ الحياد المؤسسي: أي منع أي توظيف شخصي أو فئوي أو مصالح ضيقة داخل العمل المؤسسي.
-
رفع الوعي القيادي: من خلال تدريب مجالس الإدارة على مفاهيم الحوكمة ومخاطر تآكل الثقة.
خاتمة
يبين لنا المقال العالمي، رغم اختلاف سياقه، أن الثقة هي خط الدفاع الأول عن نزاهة المنظمات غير الربحية. وفي السعودية، حيث يشهد القطاع غير الربحي نموًا متسارعًا ضمن مستهدفات رؤية 2030، يصبح التمسك بالحياد والشفافية والحوكمة ضرورة استراتيجية. فاستدامة الجمعيات ليست مرتبطة بوفرة الموارد فقط، بل بقدرتها على صون الثقة التي منحها المجتمع لها.
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
