قياس الأثر في المشاريع التنموية

ع ع ع

قياس الأثر في المشاريع التنموية، موضوع ذو شجون، ومصطلح له أبعاد، ومفهوم تتنازعه ممارسات ميدانية، ودراسات علمية، وحقائق واقعية.. أتردد كثيرا في النقاش حوله لأن هذه الكلمات لا يكفي لإحاطة العنق بالقلادة!


لكني سأرسل رسائل سريعة وقصيرة عبر هذا المقال، وأسأل الله التوفيق:


كإطار عام: يجب أن لا نفرط في وضع إطار (التأثير) المرغوب من مشاريعنا.. حتى لا تكون مجرد أفعال معتادة أو محبوبة أو مرغوبة! هذا الإطار يشبه (التوجه الاستراتيجية) ويرسم هدف (نظرية التغيير) في المنظمة.


يجيب قياس الأثر عن أسئلة أساسية تصب في:

سبب وجود المنظمة؟ولماذا نحن نفعل ذلك؟

وكيف تحقق ذلك؟

وما مقدار مساهمتنا عبر أدواتنا في هذه النتيجة بعدما نعزل التأثيرات الأخرى الناتحة من الأطراف المغايرة (وهذه لوحدها عملية معقدة)..


إن قياس الأثر ؛ بشكله العلمي عادة يأخذ مدىً زمنياً طويلاً.. ولا يبدأ إلا بعد نهاية المشروع بفترة، مثل ستة أشهر على الأقل .. بل قدرته بعض الجهات التنموية بعشر سنوات! يعني أن تبدأ القياس بعد مرور عشر سنوات من نهاية مشروعك! حتى تقيس (الأثر)، وغني عن القول أننا لن نبدأ قبل أن نكون قد حددنا خط الأساس.. ضمن أنشطة ودراسات المشروع التي قمنا بها في البداية .. كما أن هذا القياس يجب أن يشمل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة ، السلبية والإيجابية .. وعبر فريق مستقل ومحايد..


ولأجل ذلك يجب أن تخصص له الموارد الكافية لتنفيذه سواء كانت موارد مالية أو زمنية أو كفاءات قادرة على العمل عليه بجدارة .. لتقدم نتائج حقيقية وليست (بيعية) !


كما أن عملية قياس الأثر هي عملية متقدمة ويجب أن تسبقها عمليات قبلها وهي:

القدرة على وضع خطة المتابعة والتقييم لأنشطة المشروع أصلاً.

والقدرة على رسم الإطار المنطقي أو نظرية التغيير للمشروع وللمنظمة..

فبدونها ستكون العملية عبث أو مجرد تسلية في أحسن الأحوال!


كما أرى أن نزيد العناية والاهتمام بقضايا المتابعة والتقييم كأحد أهم المدخلات لقياس الأثر .. فصعود السلم يبدأ من أسفله خطوة خطوة .. ويكدر خاطري أن نطالب المنظمات بقياس الأثر وهم لا يحسنون المتابعة والتقييم !


أيضا من المهم مراجعة نموذج عمل المنظمة، وهل يمكن أن نطور من خدماتنا أو نقدمها كما هي بتكاليف أقل ؟ أن نراجع الفئة المستهدفة من أعامالنا، ونتأكد من أننا نصمم برامجنا لهم، وأنهم (راضون) أو (متقبلون) لها، وهل خدماتنا تقدم ضمن أولويات منظمتنا وأولويات المستفيدين؟


كذلك يجب أن يكون قياس الأثر لنسخة ناضجة من المشروع، ولاتقدم على نسخة خاضعة للتعديل والتطوير، فهل نحن عملنا على تطوير تصميم المشروع وتأكدنا من معايير الملاءمة والارتباط .. قبل الذهاب لمعايير الأثر والاستدامة ؟


إن قياس الأثر غالبا يحتاج إلى بيئات مستقرة للعمل عليه بشكل منهجي وعلمي، فالتغيرات الاقتصادية السريعة أو التقلبات السياسية لها تأثيرات أوسع وأخطر .. وتعطي النتائج بالتالي دلالات غير معتبرة ..


وقياس الأثر ليس "فريضة"، فإذا كان الأثر ظاهرا، ومشهودا له .. فنحن لانملك الكثير من الموارد المتاحة لنهدرها على مجرد وجود (الختم) و (المصادقة)..فإذا كنت تملك دلائل بازغة عن أثرك، فأعرض عن قياس الأثر !


وفي المقابل، يغيظني جداً استخدام المصطلح كواحد من متطلبات البريستيج، والتسلق على هذا المصطلح، للتملق للجهات المانحة أو الوزارات المشرفة.. وحقيقته كانت مجرد استبانة عرجاء عن (رضا المستفيد) قدمت في نهاية البرنامج!


إن اللعب في المصطلحات ومع المصطلحات مؤشر خطير ومقلق، لذلك يعتبر التوازن في الحديث عن قياس الأثر مطلب، وفي ظني أن المطالبة يجب أن لا تعدو قياس التأثيرات على مستوى العوائد/النواتج وليس الأثر .. وأيضا أن تكون هذه المطالب متوافقة مع طبيعة المشروع أو البرنامج، فليست كل المشاريع والبرامج يجب أن تكون بهذه السمات، وهذا المستوى.


وكل حديث عن قياس الأثر من دون الحديث عن ممكناته، فسيكون قاصرا يفتقد للواقعية .. والحديث عن هذا الموضوع مع جمعيات (صغيرة) وفي قرى وبلدات (نائية) أو جهات تعاني (الشح في الموارد والكفاءات) أو (افتقاد البوصلة)..  أظنه من افتقاد الأولويات.


أخيرا؛

كل ما قلته يمثل وجهة نظر خاصة .. لا أقاتل عليها .. ولا أخاصم بشأنها .. يمكنكم الاعتراض والنسف والإلغاء والحذف .. كانت مجرد فضفضة تختلج في صدري منذ أزمان .. لذلك ليس من الضروري أن أعلق على تعليقاتكم .. لأن الموضوع كما قلت في البداية ذو شجون.


المصدر


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top