منحة الحج أم خطة ادخار؟ لماذا نحتاج لإعادة تعريف الدعم؟

ع ع ع

هلال بن حسين القرشي

رئيس تحرير البنك الثالث | موسوعة الإثراء المعرفي للقطاع غير الربحي


حين تحدّث الأستاذ عبدالعزيز بورحمه، الرئيس التنفيذي لشركة الركن الخامس، في لقاء "الاستدامة الوقفية وصناديق الادخار" عن تدخل شركته في دعم مجموعة من الحجاج الباكستانيين الذين تعثرت ظروفهم التنظيمية أو المالية، بدا واضحًا أن هذا الفعل لم يكن مجرد إنقاذ ظرفي، بل كان انعكاسًا لرؤية أعمق تعيد النظر في مفهوم الدعم نفسه.

لقد تجاوز المتحدث فكرة التبرع للحج بوصفه "منحة مشروطة بظروف آنية"، إلى نموذج أكثر استدامة يقوم على أدوات مالية شرعية، واستثمار طويل الأمد يخدم فئة أوسع من الحجاج المحتاجين.
وهنا برز سؤال المقال:
هل نواصل تقديم منحة الحج، أم نعيد تصميمها بوصفها خطة ادخار تمكينية؟


لماذا يُعاد إنتاج "منحة الحج" بنفس الطريقة؟

في كثير من الدول الإسلامية، تُموَّل حملات الحج الخيري إما عبر جمع التبرعات الموسمية، أو من فائض أوقاف صغيرة، أو من مبادرات فردية. ورغم فضلها، فإن هذا النموذج التقليدي يواجه ثلاث مشكلات هيكلية:

  1. ضعف الاستدامة: تمويل الحج يعتمد غالبًا على موسم عاطفي أو فاعل خير مؤقت، لا على نظام مالي دائم.

  2. غياب العدالة في الاستهداف: يُختار المستفيدون بآليات تفتقر أحيانًا إلى معايير واضحة أو شفافة.

  3. دور المتلقي السلبي: لا يُمنح المستفيد فرصة الإسهام في تكاليف حجه تدريجيًا، ما يجعله معتمدًا على غيره بالكامل.


من التدخل العاجل إلى التصميم المالي: ما طرحته شركة الركن الخامس

في سياق حديثه عن دعم الحجاج الباكستانيين، أشار بورحمه إلى أن شركتهم لا تنظر إلى الحج بوصفه فرصة للتبرع الموسمي، بل نقطة التقاء بين التمويل الإسلامي، والاستثمار الاجتماعي، وخدمة الشعيرة.

هذا المنظور كان واضحًا في طرحهم لنماذج مثل:

  • برامج ادخار شهرية تبدأ من مراحل مبكرة من العمر، تستثمر أموالها وفق الشريعة.

  • التأمين التكافلي كأداة لحماية الحاج والممول معًا.

  • توجيه العوائد الوقفية لخدمة غير القادرين على الحج ضمن إطار مالي لا يعتمد على المنح، بل على العوائد.

هذه الممارسات تعني تحولًا جذريًا في فلسفة "الدعم":
من هبة تُمنح، إلى خطة تُصمَّم.
من علاقة فوقية (معطي/مستفيد) إلى علاقة شراكة قائمة على الادخار والتكافل والاستثمار.


لماذا نحتاج هذا التحول اليوم؟

لأن المعطيات تغيّرت:

  • تكلفة الحج أصبحت تعادل دخل عدة أشهر أو سنوات في بعض الدول، كما ورد في اللقاء.

  • سقف الدعم التقليدي لا يغطي الطلب المتزايد، خاصة مع تضخم الأسعار ومحدودية المقاعد.

  • القطاع الوقفي يملك موارد غير مفعّلة ماليًا يمكن توجيهها لصناديق ادخار حج جماعية.

والأهم: لأن الحج بوصفه ركنًا من أركان الإسلام يستحق إدارة تتناسب مع قيمته، لا مع موسميته.


ما الذي يمكن أن يحدث لو أعدنا تعريف الدعم؟

  • سنمنح كل طفل مسلم في العالم إمكانية أن يبدأ "رحلة الحج" من عمر 5 أو 6 سنوات، عبر فتح حساب ادخاري صغير.

  • ستتحول مؤسسات الوقف من موزعة للمنح إلى مصممة لصناديق تكافلية شرعية.

  • ستتراجع حدة التفاوت بين الأغنياء والفقراء في فرص أداء الفريضة، لأن الدعم لن يرتبط بالعلاقات، بل بالاستحقاق والادخار.


بين منحة تُمنح وخطة تُبنى

في المشهد الذي نقله اللقاء عن تمويل حج بعض الحجاج الباكستانيين، رأينا صورة مشرقة من صور التكافل. لكنها تظل أشبه بالإسعاف الذي لا يستطيع بناء نظام صحي مستدام.
ما نحتاجه اليوم هو أن ننتقل من الإسعاف إلى البنية التحتية المالية لفريضة الحج.

إعادة تعريف الدعم ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة فقهية واقتصادية في زمن تتعقد فيه كلفة العبادة، وتتسع فيه الفجوة بين الطموح والقدرة.
ولأن الحج ركن، فهو لا يستحق فقط أن يُدعم… بل أن يُخطط له.

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top