بين الشفافية والتمكين المؤسسي: نموذج عملي للممارسات الاحترافية في القطاع غير الربحي
في ظل التحول الهيكلي الذي يشهده القطاع غير الربحي بالمملكة، والتزامًا بأهداف رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى رفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي إلى 5%، أصبحت الشفافية المؤسسية ركيزة لا غنى عنها لتعزيز ثقة المجتمع والمانحين، ورفع كفاءة العمل الخيري.
تشير دراسة صادرة عن Zeffy عام 2024 إلى أن 86% من المتبرعين أكثر ميلاً للتبرع عندما تقدّم المنظمة تقارير مالية واضحة ودقيقة، وهو ما يجعل الشفافية اليوم ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة استراتيجية لبقاء المنظمات واستدامتها.
وفي ضوء تخصصي في الإدارة المالية للمنظمات غير الربحية من جامعة هارفارد بزنس سكول، وانطلاقًا من التجارب الدولية والنماذج المعتمدة لدى هيئات مثل Charity Navigator وGuideStar، أقدّم تسع خطوات عملية تعزز الشفافية وتربط بين كفاءة الأداء ومصداقية الأثر.
1. بناء ثقافة مؤسسية للشفافية
ابدأ من مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية بتكثيف التدريب المالي، واعتماد تقارير فصلية دورية تغطي مؤشرات الأداء الرئيسية. التدريب المستمر والحوكمة الدقيقة يخلقان أساسًا للمساءلة.
2. إصدار تقارير أثر سنوية تستند إلى بيانات
ينبغي أن تتجاوز تقارير الأداء الطابع السردي إلى عرض أثر ملموس مدعوم بإحصاءات ورسوم بيانية، يبيّن الأثر الاجتماعي المباشر لتبرعات الأفراد والمؤسسات. هذه التقارير يجب أن تكون متاحة على الموقع الرسمي للمنظمة وقابلة للتحميل.
3. تقديم إيصالات تبرع دقيقة وموثقة
يشمل ذلك تحديد: اسم المتبرع، مبلغ التبرع، تاريخ العملية، والجزء القابل للخصم الضريبي – خصوصًا مع التوسع المرتقب في أنظمة الحوافز للقطاع غير الربحي.
4. الإفصاح عن تعويضات القيادات التنفيذية
نشر هذه البيانات في التقارير المالية السنوية يعكس التزام المنظمة بعدم تضارب المصالح، ويؤكد توجيه الموارد للمهمة الأساسية لا للامتيازات الفردية.
5. تقييم دوري لمجلس الإدارة والقيادات العليا
تُعد هذه الممارسة أداة حوكمة تعكس الرشد المؤسسي، وتضمن اتساق أداء المؤسسة مع أهدافها المعلنة ومجالات صرفها المعتمدة لدى الجهات المانحة.
6. استخدام أدوات تتبع الأهداف والإنجاز
مثل “مؤشرات حرارة التبرع” التي تُحدّث لحظيًا وتُنشر في الحملات، ما يُعزز الشفافية ويخلق حافزًا مجتمعيًا للمشاركة.
7. تطبيق سياسة إبلاغ عن المخالفات
توفر هذه السياسات بيئة آمنة للإبلاغ عن أي تجاوزات مالية أو إدارية، وتؤكد أن المنظمة تُدار على أسس أخلاقية شفافة تحترم الكرامة المؤسسية.
8. تفعيل سياسة تضارب المصالح
يجب أن تُلزِم السياسات أعضاء المجلس والموظفين بالإفصاح عن أي علاقة شخصية أو مالية قد تؤثر على قراراتهم، بما يعزز نزاهة التعاقدات والقرارات المالية.
9. الحفاظ على تقييمات الشفافية في المنصات الدولية
من خلال نشر البيانات المالية على منصات موثوقة دوليًا، مع متابعة تصنيفات المنظمات، بما يعكس مدى التزامها بأعلى معايير الشفافية. وهو أحد محاور التقييم في المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي ضمن مؤشر الحوكمة.
الشفافية ليست ورقة، بل بنية مؤسسية
المنظمة التي تبني الشفافية في جذورها التنظيمية، وتربطها بجودة الأثر ووضوح البيانات، هي منظمة قادرة على النفاذ إلى تمويل أكبر، وشراكات أوسع، واستدامة أعمق.
ومع الطموحات السعودية نحو التوسع في عدد المتطوعين وتسجيل المنظمات غير الربحية ورفع نسبة الشفافية في القطاع – كما نصت عليه رؤية 2030 – فإن الالتزام بهذه الخطوات التسع هو الترجمة العملية لتوجهات المرحلة.
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟