اقتصاد الفقراء : إعادة نظر جذرية في أساليب محاربة الفقر

ع ع ع

هذه أهم الفوائد التي جمعتها من كتاب اقتصاد الفقراء (إعادة النظر في أساليب مكافحة الفقر) لمؤلفيه ابهيجيت بارنجي وإستر دوفلو وهما فائزان بجائزة نوبل، الكتاب صدر عام 2011 وتمت ترجمته عام ٢٠١٦.
يقع الكتاب المترجم في٤٦٩ صفحة بترجمة أنور الشامي.
الكتاب يعتمد على جمع البيانات ميدانيا من خلال المقابلات في ثمانية عشر دولة فقيرة، بحيث لا يزيد دخل الفرد الواحد عن دولار يوميا، ويرتكز الكتاب بشكل كبير على المجموعات العشوائية الضابطة (يعني فقير يتم التدخل فيه وفقير لا يتم التدخل فيه ويتم قياس نتائج التدخل)، ثم يقارن المؤلف البيانات والنتائج بالنظريات الاقتصادية، ويناقشها بأسلوب منطقي بديع. 
الكتاب مهم جدا لكل من يعمل مع الفقراء والمحتاجين، وهذه الفوائد التي انتقيتها هي راي المؤلف، ولم أتدخل في تقويمها، بل انتقيتها حسب ما وردت لكني قد أعدل في صياغتها أحيانا، وهذه الفوائد لا تغني عن قراءة الكتاب الأصلي اطلاقا. 

مقدمة الكتاب:
الكتاب يحاول الاجابة على سؤال هل للفقراء سُبل يمكن اتباعها للارتقاء بحياتهم؟ هل البداية في هذه السُبل هي الصعبة أم المواصلة حتى النهاية هي الصعبة؟ ولماذا هذه السبل مكلفة؟ وهل الناس يدركون هذه الفوائد؟وإذا كانوا لا يدركونها مالذي يمنعهم من إدراكها؟ وإذا كانوا يدركونها لماذا لايدعمونها؟.
وسوف يناقش دور الفقراء مع أنفسهم ودور المؤسسات التي تتعامل مع الفقراء.
استهل المؤلف الجوانب الأساسية للحياة الأسرية للفقراء، مثل ثقافة الشراء، وتعليم الأطفال، والصحة الشخصية، والعلاقات الأسرية، والإنجاب، والادخار، والقروض، والأعمال الحرة وغيرها، وهل هذه القضايا هي التي تسبب الفقر، لذا هو سيتناولها بالتفصيل في ثنايا الكتاب. 
يقول المؤلف في العالم يموت نحو تسعة ملايين طفل دون سن الخامسة سنويا، وفي أفريقيا تموت امرأة من ثلاث نساء عند الوضع أما في العالم المتقدم فالنسبة تكون ٥٦٠٠ امرأة تموت منهن واحدة فقط عند الولادة، وفي الهند خمسين مليون طفل يذهبون للمدرسة ولا يستطيعون قراءة نص مكتوب بأبسط الكلمات، لذا أعيدوا التفكير في التعامل مع الفقراء.

أولا: المساعدات: 
الخدمات المقدمة للفقراء ليست عصا سحرية صالحة لكل زمان ومكان، فبعضها أصلا تضر ولا تنفع، وبعضها ينفع في مكان دون آخر، ويروي المؤلف نظريات مصيدة الفقر، حيث يقول:
المصيدة الأولى: أن يصبح دخل الفقير اليوم أقل من أمس لأي سبب مثل المرض او العجز او عدم توفر العمل. 
الثانية: أن يزيد دخل الفقير لكن الزيادة ليست في الاتجاه الصحيح، مثل القروض غير المدروسة. 
ويعقب المؤلف على أن هذه النظريات التي تصاغ على المكاتب لا تقوى في الجانب التطبيقي، حيث ذكر أن نجاح مساعدة مزارع بسيط في السماد حيث اصبح مزارعا ثريا، ليست بهذه البساطة، أن تروى قصة نجاح ويتم تعميمها، ويتساءل هل سبب الثراء هو الحصول على السماد أو الادخار او التغذية والصحة أو الطبيعة الاجتماعية أو غيرها. 
ويرى المؤلف أن قضية الفقر تصاغ بين المختصين على رأيين متقابلين:
الرأي الأول: أن الفقراء واقعين في مصيدة الفقر بسبب موقعهم الجغرافي والاجتماعي والمالي ويجب مساعدتهم دوما حتى يخرجوا منها.
الرأي الثاني: يتبنى أن المساعدات للفقراء ضررها أكبر من نفعها، وليس شيء اسمه مصيدة الفقر، بل الفقراء مثل غيرهم يستطيعون تجاوز صعوباتهم وفقره، ويجب إيجاد الأسواق الحرة فقط. 
ولكل رأي أبحاث ودراسات كثيرة تؤيده. 
ويقول المؤلف أن هذا الكتاب لن يخبرك هل المساعدات نافعة للفقراء أم ضارة، فهي تختلف حسب مقدمها ومتلقيها، فالمساعدات مهما كانت ضخامتها من وجهة نظر مقدمها فهي قليلة جدا مقارنة بموارد دول هؤلاء الفقراء أنفسهم، وثانيا لا يهم من أين تأتي الأموال لكن المهم أين تصرف هذه الأموال، وماهي المشاريع المناسبة للنهوض بالفقراء، وثالثا يجب مد يد العون للفقراء ما استطعنا إلى ذلك سبيلا لكن عبر طرق فعالة حسب حالهم.
ويقول المؤلف أنه في عام ٢٠٠٣ تأسس معمل عبداللطيف جميل لمكافحة الفقر، لتشجيع الباحثين والحكومات والمنظمات للعمل معا في مكافحة الفقر.
يرى المؤلف أن الأيديولوجيا والجهل والكسل، سواء من الخبير او مقدم المساعدات او صانع السياسة المحلية، هي الأسباب الكامنة وراء الفشل وأن تحدث المساعدات أثرا يذكر، وليس الفقير لوحده.
يقول المؤلف يؤمن الكثير أن الفقر والجوع صنوان متلازمان، والمؤلف يرى ذلك صحيحا في بعض الحالات مثل الزلالزل والفياضانات والحروب فقط. أما خلاف ذلك فالمشكلة تقع في اخفاق النظم في توزيع الغذاء أو تخزينه ونوع الغذاء الذي يتناوله الفقراء، حيث غالبا ما يتناول الفقراء طعاما قليلا وبجوده أقل، لذا انتاجيتهم أقل. 
ينوه المؤلف أن أشياء في حياة الفقراء تفوق أهمية الغذاء الجيد مثل:
١ حفلات الزفاف. 
٢ التلفزيون ووسائل التواصل. 
٣ الأعياد.
٤ مراسم العزاء. 
٥ الأكل الحلو. 
إن مثل هذه المشتريات والمواقف التي تعكس تدليل الذات ليست مندفعة ويقوم بها أشخاص لا يفكرون مليا، بل هي تعكس دوافع قوية لا تقاوم، ودائما نتساءل لماذا لا يتوقفون عن هذه المشتريات ويستثمرون قيمتها فيما يغير حياتهم لمستقبل أفضل، الفقراء يعيشوا اللحظة الآنية والحياة الحاضرة، لذا علينا مساعدتهم في تعديل سلوكهم وليس وضع اهداف استراتيجية لهم لأنها غير محفزة لهم، وهنا تقع المشكلة على مقدمي البرامج ومخططيها.
والنتيجة النهائية التي توصل إليها المؤلف أن زيادة المساعدات في الغذاء أو المال لن يفيد الفقراء لكي يخرجوا من مصيدة الفقر، بل الصواب الاستثمار في الأطفال وتغذيتهم غذاءً سليما، والاهتمام بالحوامل، ووضع أهداف قريبة، كل هذا له عوائد مجتمعية كبيرة، من خلال تغيير العادات.

ثانيا: الصحة:
يقول المؤلف ترى أسرة مستقرة ومنتجة لكن ما أن يمرض العائل فيبدأ بالعلاج فيتوقف عن العمل ثم يقترض لمواصلة العلاج ويتوقف الابناء عن الدراسة ويبيع الممتلكات لسداد القرض، وهكذا يدخل الفقراء في مصيدة الفقر بسبب المرض.
ويطرح المؤلف رأيان متقابلان:
الأول: تقديم المساعدة للفقراء لكي ينجو من تفاقم المشاكل.
الثاني: علاج النظم التي سببت هذا الواقع، فردم المستنقع خير من رش الباعوض.
ولكل رأي أبحاث ودراسات تؤيده.
والمؤلف كعادته يرى أن لكل حالة ظروفها الخاصة.
يقول المؤلف عندما يتم التدخل وتزيد مداخيل الفقراء بنسبة ١٥٪ وهي نسبة ممتازة للفقراء، إلا أنهم لا يشترون ما يساعد في نجاح حياتهم الصحية مثل الكلور لتعقيم الماء أو شبكة البعوض للحماية من الملاريا أو الحبوب المكافحة للديدان أو الدقيق المعزز بالفيتامين وهي لا تكلف ٥٪ من الزيادة الجديدة، وهذا يعني أن السلالم اللازمة للخروج من الفقر موجودة، لكن الفقراء لا يعرفون الصعود عليها أو لا يريدون الصعود اصلا.
وفي المقابل يبذل الفقراء مبالغ مالية كبيرة على العلاج، علما أن الوقاية الصحية ذات التكلفة الرخيصة لا يبذلون لها المال بل في أحيان كثيرة يرفضها الفقراء، إذن تفكيرهم هو آني. 
وهذا التفكير تسلكه الحكومات كذلك، حيث تبذل أكثر على العلاج ولا تهتم كثيرا بالوقاية الصحية، وهي اقل تكلفة واعظم أثرا. 
الوقاية الصحية متوفرة في الغالب للفقراء فما هو السبب في عدم استخدامها، هل هو أنها:
١ مجانية او مدعومة. 
٢ المعتقدات والثقافة. 
٣ الدين.
المؤلف يرى أن هذه أسباب غير حقيقية، وكذلك نهج أسلوب الوقاية الصحية من خلال التحفيز أو الإقناع، أسلوبين غير صحيحين، والصواب أن تجعل الوقاية الصحية هي الخيار الافتراضي في حياة الناس، مثل بيع القمح مدعما بالحديد هو الأصل، كما هي الخيار الافتراضي في حياة الأغنياء والدول الغنية، فلا أحد يفكر في المياه النظيفة أو الصرف الصحي لأنه هو الأصل.
تغريد

ثالثا: التعليم:
غياب ابناء الفقراء عن المدارس يصل ل ٥٠٪، وليس خلفه سبب مبرر مثل المرض أو الرسوم الدراسية، فالدراسة مجانية لكن المدارس عاجزة عن جذب الطلاب، حيث لا يوجد نقص في المدارس، والطلب قوي على القوى المؤهلة، وأولياء أمورهم ليسوا معارضين لدراستهم، إذن أين الخلل؟
يورد المؤلف رأيان:
الأول: توفير بيئة تعليمية مناسبة وجذابة للجميع (تهيئة العرض).
الثاني: يرى أنه لا فائدة من التعليم إن لم يوجد طلب لمخرجاته (تهيئة الطلب). 
ولكل رأي أبحاث تؤيده، والمؤلف سوف يناقش الرأيين لكي يخرج لنا كعادته برأي مناسب، لكل حالة.
وفي دراسات عدة أوردها المؤلف أثبتت أن المساعدات المالية للأبوين المشروطة بتعلم الأطفال مساوية في النتائج للمساعدات المالية للأبوين وغير مشروطة بتعليم الأطفال. 
حيث يعتقد الآباء أن كل زيادة في التعليم سيكون زيادة في الدخل مستقبلا للأسرة، والطلاب يواجهون توقعات مختلفة حيث قدراتهم لا تؤهلهم لهذه التوقعات، أما المدارس فتبني توقعاتها المستقبلية عن الطلاب حسب مكانتهم الاجتماعية وانتماءاتهم العرقية، وهذه كلها توقعات غير منضبطة خاصة إذا كان معها ضعف الثقة.
ويقع التعليم في اشكالية أن هدفه ونجاحه في حصول الطلاب على درجات عالية والفوز بمسابقات دولية وهذا يقود لتعليم نخبوي، والصواب ان يهدف التعليم إلى تزويد كل شخص بالمهارات الأساسية الملائمة، واكتشاف اصحاب المواهب، ووضع أهداف مرحلية وتوقعات منطقية، ونتائج ملموسة للخريجين.

رابعا: الإنجاب ولأسرة:
يتساءل المؤلف ما لذي يعيب الأسر الكبيرة؟ هل ستسبب شح في الموارد؟ وهل تحديد النسل يجعل الجميع في غنى؟ 
كوكب الأرض يحمل على ظهره اليوم اضعافا مضاعفة من الناس مقارنة بزمن الذين وضعوا فرضيات تحديد النسل، والسبب أن مزيدا من الأشخاص يعني مزيدا من الافكار.
وبعض الدول التي لديها نمو اقتصادي مثل كوريا والبرازيل لم يكن لديهم تحديد للنسل. 
يقول المؤلف لو أعدنا السؤال هل الأسر الكبيرة أفقر لأنها كبيرة؟ أم أن قدرتها على الاستثمار والرعاية أقل؟ الدراسات لم تشر إلى أن الأطفال الذين يولدون في اسر صغيرة يكونون أكثر تعلما، بل بالعكس وجد في الأسر الصينية التي لديها بنت وولد اكثر حظا في التعليم من التي لديها ولد واحد فقط. 
وعندما يتم النظر إلى الأطفال الذكور أنهم استثمار ومكانة اجتماعية يتم اجهاض اجنة البنات واهمال تربيتهن وعدم رعايتهن الرعاية الكافية بعد الولادة، لكي يستفيد الآباء من الذكور عند تقدمهم بالعمر وحاجتهم إليهم، وهذه نظرة يجب الاهتمام بها، حيث يزيد الآباء في الإنجاب للحصول على ولد واحد يقدم العون والمساعدة لجميع الأسرة، أو للمكانة الاجتماعية.
الإشكالية عند الاقتصاديين أنه يتجاهلون الأسرة ويتعاملون مع الفرد، وهذا غير صحيح، فالأسرة كيان مترابط ليس هدفه تقاسم الموارد والمسؤوليات بل يخدم كل فرد بقية أفراد الأسرة الآخرين عبر عقد اجتماعي بسيط غير واضح. 
ويرى المؤلف أن السياسات ليس صحيحا أن تحل محل الأسرة بشكل كبير وإنما تكمل عملها وأحيانا تحمي من تعسفها، فالأسرة كيان مهم جدا.
يعتبر الجزء السابق هو نقاش للفقراء أنفسهم عن الفقر، وفي الجزء القادم سوف يتناول المؤلف دور المؤسسات في التعامل مع الفقراء للمساهمة في علاج الإشكالات السابقة.

خامسا: التحوط والقروض:
٥٠٪ من الفقراء لديهم مشاريع صغيرة اما مزارع او قوارب او مكائن خياطة، والباقي يعملون بأجرة يومية، المشكلة عندما يخسر الفقير مشروعه فهو يتحمل خسائره ١٠٠٪، بينما الشركات لا تتحمل هذه النسبة من الخسائر حال فشل مشاريعها 
مشاريع الفقراء محفوفة بمخاطر عالية جدا، ولا يوجد عليها تأمين، وليس لها دعم حكومي، وحتى الفقراء ليس لديهم ضمان اجتماعي لو خسروا مشاريعهم يعيشوا عليه.
قد يلجأ الفقراء للقروض لكن القروض غير المدروسة مضرة جدا على الفقراء، وتدخلهم في مصيدة الفقر، فأولها خير وآخرها بؤس.
لذا الحل المناسب للفقراء تنويع الأنشطة والمهن خاصة داخل الأسرة الواحدة، والشراكة بين العامل والمالك، وتكوين رابطة تضامنية لعمل الفقراء.
ويرى المؤلف أنه لا بد من تأمين للفقراء على مواشيهم ومزارعهم، لكن تأمين يتناسب مع حالهم لأن التأمين الحالي فيه عيوب كثيرة، ولا يتناسب مع الفقراء.
الفقير مثل أي شركة عملاقة يشتري بالآجل لكن بمدة قصيرة فغالبا يقترض الفاكهة الصباح ثم يبيعها ويسدد في المساء بفائدة ٥٪.
لك أن تتخيل الفائدة المتراكمة على الفقراء، فلو اقترض خمس دولارات فيتم سدادها بعد عام مائة مليون دولار.
يقول المؤلف يكثر اقتراض الفقراء من الجيران والأقارب والمقرضين المحليين، لذا ظهرت فكرة القروض متناهية الصغر لتحل مشكلة الضمانات وتكلفة متابعة السداد. 
المؤلف يرى القروض متناهية الصغر حل جيد، لكنه ليس الأفضل حيث يقدم منحا لمشاريع واضحة العوائد وقليلة التكلفة، يعني لا يدخل التمويل متناهي الصغر في المخاطر أي لا يصنع ريادة أعمال، ولا يمول المشاريع الكبيرة، وكذلك لا يدعم المصروفات الاستهلاكية والطارئة. 
يتساءل المؤلف لماذا البنوك تقرض ٥٪ من الفقراء فقط؟ السبب أنه ليس لدى الفقراء ضمانات كافية، وقروضهم صغيرة لذا دراستها مكلفة، تصبح فوائدها عالية.
تسمع كثيرا أن الفقراء يتخلفون عن السداد، وهذا ينفيه المؤلف، وفق عدد من الدراسات.
إذن الفقراء يحتاجون تمويل لمشاريع كبيرة، وكذلك تمويل فيه مخاطرة، واحيانا نحتاج تمويل استهلاكي حسب ظرف الفقير، وهذا لا يتوفر في التمويل متناهي الصغر.

سادسا: الادخار:
يلفت انتباهك بنايات الفقراء، حيث تجد بعضها بلا نوافذ، وبعضها بلا أسقف، ومتنوعة الطوب، بكل بساطه هم يدخرون أموالهم شيئا فشيئا حتى تكتمل مبانيهم، بل واثناء بنائها تجدهم قد سكنوا فيها، وأحيانا تؤذيهم الرياح والأمطار، وقد تزيلها بالكامل، ومع ذلك يقاومون، هذه حياة الفقراء مع الادخار، عصامين من الدرجة الألى.
كما اسلفنا سابقا أن الفقراء لا يحصلون على تمويل كبير، فلماذا لا يدخر الفقراء بشكل أكبر لكي يبنوا منازلهم مرة واحدة وبشكل أكثر أناقة.
يتبادر سؤال كيف يدخر الفقراء أموالا وهم لا يملكون مالا أصلا.
اكبر اشكالية أن أساليب الادخار الموجهة للفقراء هي نفس أساليب ادخار متوسطي الدخل والأغنياء.
البنوك لا تفتح حسابات ادخارية للفقراء لأن مبالغهم قليلة، وحركتها قليلة أيضا، ولا توازي تكلفة إدارتها، وعندما تم دفع رسوم الإدارية عن الفقراء للادخار في البنوك، وتم منحهم حسابات مجانية لم تنجح التجربة، وكان ادخار الفقراء ضئيل جدا.
الفقراء لديهم طرق عبقرية في الادخار مثل الجمعيات الدوارة حيث يشترك مجموعة من الفقراء بجمعية بإيداع مبلغ شهري، بحيث يستفيد شخص واحد من كل هذه المبالغ بشكل دوري.
لكي ننجح في بناء عادات الإدخار لدى الفقراء، من المهم فهم سيكلوجية ادخار الفقراء، حيث يتم الادخار وقت الإيراد وقبل الحاجة، يعني يتم ادخار السماد وقت الحصاد، وليس وقت الزرع.
التخطيط للادخار عند الفقراء مختلف تماما عن الواقع، فالجميع يخطط لكن لا ينفذ، لماذا؟ لأننا لا نستطيع التخلي عن ملذاتنا اليوم، إذن يجب حماية المال من أنفسنا.
الادخار مكافئة متأخرة، وهذا هو التحدي أمام الفقراء، كيف يكون لدينا  سلوك يمنح الفقراء مكافأة آنية ومتأخرة، لذا يتجه الفقراء للبناء لأنه هو الأقوى على التغلب على الملذات الآنية.
الاشكالية الثانية هي ضعف الانضباط الذاتي لدى الفقراء في الادخار نظرا لتعرض الفقراء لضغوطات كبيرة ومتكررة سواء اجتماعية او صحية ونحوها، لذا هم يستطيعون الادخار لفترة قصيرة بخلاف الأغنياء الذين يمكنهم الادخار من رواتبهم، وليس لديهم مفاجئات وطوارئ مثل التي تمر بالفقراء.
يقول المؤلف عندما يتوفر المال لدى الفقراء يكون الاغراء الأكبر هو شراء الأكل الحلو، الفقراء لا يفكرون في المستقبل كثيرا ويحاولون تجاهله لكي يسعدوا في اللحظة الحاضرة، لكي يخرج الفقراء من مصيدة عدم الادخار، عليهم التخفف من الاستهلاك وتحويله للادخار، فلو تم تخفيض استهلاك الشاي والسجائر، لحصل الفقراء على إدخار جيد.
إن الإقراض المتناهي الصغر للادخار مهم جدا للفقراء بشرط أن يحقق نتائج سريعة.
هذه القروض الادخارية على المدى الطويل تساعد في تجاوز المخاطر مثل المرض والآفات، لكن هذه اللغة لا يرغبها الفقراء، فكيف يتجاوزها مقدمي الخدمات والمخططين، لذا الأهم في الادخار هو الدافعية والانضباط، ورسم اهداف قريبة النتائج، والبعد عن التدليل الزائد للفقراء الذي يحولهم إلى الكسل.

سابعا: الاستثمار وريادة الأعمال:
"الفقراء هم رواد أعمال بطبيعتهم" سوف يناقشها المؤلف طوال هذا الفصل هذه العبارة ويفندها. 
"امنح المجتمعات الفقيرة الفرص وابتعد عن طريقهم" سيناقش المؤلف هذه المقولة ويفندها.
يرى المؤلف بعدد من الدراسات أن عددا من الفقراء لا يريد المزيد من القروض لمشاريعهم الناجحة، وتم تقديم النصائح والتدريب بفائدة زيادة القروض لمشاريعهم الناجحة، أصر الفقراء على عدم زيادة القروض، لماذا؟ 
عادة ما تروج مؤسسات التمويل متناهي الصغر لقصص النجاح الأكثر ابهارا، والتي تحول الفقراء إلى رجال أعمال يشار لهم بالبنان، والحقيقة أن هذه أمثلة استثنائية، مثل مؤسس شركة مايكروسوفت، والذي بدأ من مرآب سيارات، هذه النماذج استثنائية وليست خيار أمام مشاريع الفقراء، فمن الخطأ تقديمها كنماذج للفقراء، مع أنه في نفس الوقت يحقق آخرون نجاحا مبهرا بدون تمويل متناهي الصغر.
الفقراء ذوي الفقر المدقع في المناطق الحضرية يدير ٥٠٪ منهم مشاريع غير زراعية، يعني هم رواد أعمال بهذا المعنى، والفقراء لديهم قدرات عقلية عالية، ومثابرة قوية، ولديهم مشاريع، إلا أن قدرتهم المالية ضعيفة جدا، ومشاريعهم مخاطرها عالية، ولا يمكنهم الحصول على تمويل من البنوك.
مشاريع الفقراء عوائدها عالية جدا تصل ل ٦٠٪ سنويا، فلماذا لا تقرضهم البنوك إذن؟
في الحقيقة مشاريع الفقراء ليست مشرقة بل تبعث على القلق، فهي مشاريع صغيرة وتدير مالا يسيرا، لذا لن ينطبق عليهم أنهم رواد أعمال، كما سنرى مستقبلا. 
مشاريع الفقراء ليس فيها موظفين، ففي كل خمسة مشاريع يوجد موظف واحد، وهذه المشاريع التي فيها موظف واحد ٥٠٪ منها تفقد هذا الموظف، وتتوقف بعد خمس سنوات، ولا تحقق مكاسب على المدى الطويل، وضع صعب جدا لهذه المشاريع.
ما هو السبب في كون القروض المتناهية الصغر لا تحدث تحولا جذريا في حياة الفقراء، السبب هو عدم التفريق بين العائد الحدي والعائد الاجمالي.
العائد الحدي هو صافي الإيرادات فقط، بحيث لا يتم حساب ساعات عمل المقترض ومكان العمل والمخزن، أما العائد الاجمالي فيتم حساب جميع التكاليف.
نسبة العوائد الحدية عالية جدا في الاستثمار (رأس المال) الضئيل، والعكس صحيح يعني تتناقص النسبة بشكل كبير مع زيادة الاستثمار (رأس المال)، وهذا هو الذي يتم في مشاريع الاقراض متناهي الصغر، يعني نسبة عوائد الاستثمار الحدي عالية لكن عوائد المبلغ كقيمة صغير جدا، قد لا يكون يغطي تكلفة وقت المقترض، فالفقير يعمل ببيع الفاكهة ويقترض مبلغ اربعة دولارات، ويبيعها بالمساء بمبلغ ستة دولارات، الفائدة ١.٥ وهي فائدة عالية جدا، لكن المبلغ قليل للغاية (دولارين)، فلو حسبت وقت البائع فقط لكان أعلى من ذلك، لذا الأفضل أن يتم دمج مشاريع الفقراء مع بعض ليتولى تنفيذها عدد أقل ويتجه الآخرون لعمل آخر.
يتساءل المؤلف، الفقراء لديهم قدرة على الادخار، فلماذا لا يدخرون لتوسيع مشاريعهم؟ ليست مشكلة الفقراء في التمويل بل المشكلة الحقيقية أن مشاريعهم لا تقبل التوسع، فعندما يزيد تمويلها لن تزيد عوائدها بل تنقص، لأن المشروع سيحتاج لمزيد من التكاليف من موظف ومخزن ونحوها، والمشروع لا يحتمل ذلك، والأسوأ أن الفقراء يزيدون التمويل لمشاريهم لكي يستفيدوا من المبلغ إضافي لشراء بعض الحلوى أو جهاز جوال.
إذن المعضلة أننا إذا زدنا التمويل لمشروع نقصت العوائد، إذن الفقراء أكثر فهما من الممولين، هنا يبرز لنا أهمية توعية الفقراء أن هذا مرحلي وسوف تعود الأرباح بعد فترة، لكن بعدم يتم حساب العوائد الاجمالية، ويبدأ الفقير بحساب جميع التكاليف، لكن الصعوبة كيف يغطي تكاليف هذه الفترة التي لن يكون فيها عوائد، وكيف يضمن الربح مستقبلا.
إذن العلاقة بين رأس المال والعوائد، في البداية طردي (ربح)، ثم عكسي (خسارة)، ثم طردي (ربح)، يعني التحدي هو تجاوز فترة الخسارة.
اشكالية الفقراء لا يقبلون بفترة الخسارة، وليس لديهم قدرة مالية لتحمل التشغيل في هذه المرحلة، لذا هم يفضلون إدارة ثلاتة مشاريع أو أكثر لكن كلها في المرحلة الأولى فقط، فيبيع فطائر الصباح، ويبيع الحسا الظهر، ويبيع الخرز في المساء. 
وهذا يؤكد لنا أن متطلبات الأعمال الحرة تتجاوز قدرة الفقراء.
يقول المؤلف، يعتقد بعض مقدمي التمويل المتناهي الصغر أن الفقراء بحاجة لتدريب وتطوير معرفي مع التمويل لكي يتجاوزوا هذه المرحلة، وبعد المتابعة تبين أن هذا لا يفيد في مشاريع الفقراء والسبب أن الفقراء يفقدون الحماس وليس المعرفة، والحماس يأتي من نمو مشاريعهم، ومشاريعهم لا تنمو مع زيادة رأس المال. 
وهذا يجعلنا نشك بصحة أن الفقراء رواد أعمال، والسبب أن مشاريعهم لا تنمو وكذلك هم يعملون بها اجبارا وليس اختيارا، وهذا يقودنا لسؤال لماذا إذن يدير أغلب الفقراء مشاريع؟ الجواب لأنه لم تتح أمامهم فرص وظيفية، بل أكثرهم لا يستمتعون بها ولا يفكرون بتوسيعها، بل يرفضون توسيعها، وعندما يتم سؤال اصحاب المشاريع، ما هو طموحك لأطفالك؟ الاجابة الشائعة هي حصولهم على وظيفة لدى الحكومة أو شركات رائدة، وهذا يعني أن الفقراء لا يرون العمل الحر شيئا يطمح إليه.
المؤلف يقول، النتيجة المؤلمة أن كثرة المشروعات التي ينفذها الفقراء ليست دليل نجاح بل دليل على الفشل الذريع في الجانب الاقتصادي، والذي لم يوفر لهم حياة كريمة. 
لذا توفير الوظائف الآمنة يحدث تغييرا جذريا في حياة الفقراء، والدور الذي لعبته وظائف المصانع في القرى الهندية يتجاوز التوقع، فالوظائف المستقرة تعيد النظرة التفاؤلية للفقير وأسرته بالكامل، واستقرارهم وإكمال تعليمهم وحصول ابنائهم على وظائف. 
وهنا يظهر الفرق أن تتعلم لتتوظف في مصنع مرموق، أو تتعلم لتفتح مشروعا حرا بتمويل متناهي الصغر، الأول محفز للتعلم والثاني محبط.
المشكلة أن الاقتصاديين يرفضون فكرة التوظيف لأسباب منطقية، لكن سهل تجاوزها.
يتساءل المؤلف، إذا كان الفقراء يدركون أهمية الوظائف، لماذا لا ينتقلون للمدن؟ هم إذا انتقلوا للمدن يعيشون في أماكن سيئة للغاية مثل مكبات القمامة أو أماكن العمل، وعندما يمرضون يصعب عليهم العلاج، فكيف ينتقلون بعائلاتهم لمثل هذه البيئات، وفي المقابل هم في قراهم مستقرين ويعيشون حياة كريمة مقارنة بالمدن لو انتقلوا إليها، وكذلك في القرى لديهم روابط اجتماعية، تكفلهم حال احتياجهم لأي مساعدة، ويتبادلون الأحاديث حال فراغهم. 
إذن الحل هو خلق المزيد من الوظائف الجيدة للفقراء في القرى الأصغر، واقامة مشاريع كبيرة تخلق وظائف كثيرة، على قدر واحد من المساواة.
والنتيجة النهائية أن الفقراء ليسو رواد أعمال، فالكثير منهم يفتح مشروعا لأنه لا يوجد خيار آخر، وهذا المشروع يجعله على قيد الحياة فقط، ونخدع أنفسنا عندما نعتقد أن هذه المشاريع تخلصنا من ربقة الفقر.
ثامنا: السياسات الاقتصادية:
السياسات المدروسة بعناية والمبنية على حسن النية لن تحدث أثرا يذكر مالم تطبق على أرض الواقع، لذا أحيانا تولد أسوأ السياسات من رحم اصلح النيات، وذلك بسبب القراءة الخاطئة للمشكلة. 
يقول المؤلف، كثيرا ما يتردد أن السياسات المجتمعية في الدول الفقيرة تزيد الوضع سوءا، وهذا يبدو صحيحا، فالأموال المخصصة لتعليم الفقراء يصل ١٣٪ للفقراء فقط، وهذا دفع الباحثين التنمويين إلى خفض سقف طموحاتهم في التغيير للأحسن.
الأسئلة الكبرى تحتاج اجابات كبرى، هل الفقر يسبب الفساد، والفساد يؤدي إلى الفقر؟ الشركات الكبيرة في القرى هل ستساهم في توفير وظائف أم تكون شكلا من أشكال الفساد والمحسوبيات؟ هل الأسواق الحرة هي الخيار المناسب للفقراء؟.
يقول المؤلف، الواقع افرز نتائج سلبية من الأسواق الحرة للفقراء، حيث يجب مساعدة الفقراء وسن بعض الأنظمة، لكن للأسف المؤسسات التي تسن الأنظمة هي رديئة وشديدة الرسوخ، والتركيز على هذه المؤسسات الكبيرة (مثل مؤسسات الحكومة) لعمل أي شيء جيد، هو تركيز في غير محله، بل يتم التركيز على المؤسسات الصغيرة، إذن الحل هو المشاركة المجتمعية في المنظمات الصغيرة والهامشية، لتساهم في دورها الرقابي والتنفيذي.
بحيث يتم المراقبة على التنفيذ من قبل المجتمع، والمشاركة في اللجان، واعطاء فكرة مكافحة الفقر من الفقراء، ونبدأ بمشروعات التنمية الموجهة مجتمعيا، حيث تختار المجتمعات مشروعات تديرها، ويكون فيها تمثيل للفئات المهمشة، ويتم الاتفاق على آلية اتخاذ القرار، واتخاذ المشروع، وحضور الاجتماعات، والمتحدث الرسمي، وآلية اسناد التنفيذ، والإعلان للجميع.
من أهم أسباب فشل البرامج الحكومية وشبه الحكومية، أن الناس لا يعرفون حقوقهم بالضبط، لذا هم لن يستطيعوا مراقبة الأداء.

شكرا لمتابعتكم
أرجو أن أكون قد وفقت لانتقاء المفيد لكم
علي بن سليمان الفوزان
الدمام
تويتر : @alfozanali
البريد الالكتروني: [email protected]
  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top