اتجاهات القيادة في المنظمات غير الربحية 2025–2026: قراءة في تقرير Grassi

ع ع ع

قراءة تحليلية في تقرير Grassi Nonprofit Leadership Survey 2025


أولًا: لماذا هذا الملف؟

القطاع غير الربحي يدخل مرحلة جديدة عالميًا؛ مرحلة لم يعد يكفي فيها الحديث عن «الخير» أو «الأثر الاجتماعي» بمعزل عن لغة الأرقام والاستدامة والتقنية والحوكمة.
في هذا السياق يأتي تقرير 2025 Nonprofit Leadership Survey الصادر عن شركة Grassi ليقدّم «صورة أشعة» دقيقة لجزء مهم من المشهد غير الربحي في الولايات المتحدة، عبر استطلاع آراء 207 من القيادات غير الربحية في ولايات نيويورك ونيوجيرسي وعدد من الولايات الأخرى.

بالنسبة لنا في السعودية، لا يُقرأ هذا التقرير بوصفه «واقعًا مختلفًا» بقدر ما هو «مرآة مستقبلية»؛ كثير مما يرصدُه في بيئة نيويورك اليوم نلمس بداياته في الرياض وجدة والدمام، مع تسارع برامج رؤية 2030 ودخول القطاع غير الربحي على خطوط جديدة من التمويل والاستثمار والشراكات.

هذا الملف يحاول أن:

  • يقدّم مدخلًا عربيًا علميًا للتقرير؛

  • يربط بين نتائجه واتجاهات القطاع غير الربحي السعودي؛

  • ويقترح أسئلة عملية لمجالس الإدارة والإدارات التنفيذية في جمعياتنا ومؤسساتنا الأهلية.

ملاحظة مهمة
هذه القراءة مبنية على تقرير:
2025 Nonprofit Leadership Survey Report 2025/2026 – Grassi Advisors & Accountants
وهي ترجمة/قراءة غير رسمية، أعدّت لأغراض الإثراء المعرفي فقط.
جميع الحقوق للمحتوى الأصلي محفوظة لشركة Grassi، ويمكن الرجوع للنسخة الكاملة عبر موقعهم.


ثانيًا: من هي Grassi؟ وماذا يقول التقرير باختصار؟

Grassi Advisors & Accountants شركة استشارات ومراجعة مالية متخصصة في العمل مع المنظمات غير الربحية، تُقدّم خدمات التدقيق، والضرائب، والاستشارات المالية والاستراتيجية.
أجرت الشركة استطلاعًا إلكترونيًا خلال الفترة من 10 يونيو إلى 18 يوليو 2025، شمل:

  • أكثر من 200 قائد غير ربحي؛

  • أغلبهم من ولايتي نيويورك ونيوجيرسي، مع تمثيل لولايات أخرى؛

  • من قطاعات: الخدمات الاجتماعية/المجتمعية، الصحة، التعليم، والمنظمات الدينية والجمعيات المهنية.

يركز التقرير على ستة محاور رئيسة:

  1. الطلب على الخدمات والتكاليف

  2. التمويل ومستقبل التمويل الحكومي (الفيدرالي)

  3. الاستراتيجيات المالية والأولويات في 12 شهرًا قادمة

  4. التحديات البشرية والحوكمة ومجالس الإدارة

  5. التخطيط للتعاقب القيادي

  6. التقنية والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والقياس المقارن (Benchmarking)

وبلغة مكثفة، يمكن تلخيص الصورة العامة كالآتي:

ارتفاع متواصل في الطلب على الخدمات،
يقابله ارتفاع أكبر في التكاليف التشغيلية,
بينما يظل نمو التمويل دون مستوى التضخم،
مع ضغط متزايد على الموارد البشرية،
وسباق محموم نحو التقنية والذكاء الاصطناعي,
في ظل فجوات واضحة في الحوكمة والتعاقب القيادي والأمن السيبراني.


ثالثًا: معادلة «الطلب والموارد»… الضغط يتضاعف

أحد أكثر أرقام التقرير إضاءة هو نسبة المنظمات التي تشهد زيادة في الطلب على خدماتها:

  • 77٪ من المنظمات أفادت بزيادة الطلب خلال العام السابق،

  • بينما لم تتجاوز نسبة من شهدوا انخفاضًا في الطلب فقط.

في الوقت نفسه:

  • 79٪ من المنظمات أبلغت عن ارتفاع في التكاليف التشغيلية،

  • بمتوسط زيادة يتراوح بين 13–15٪،

  • مقابل زيادة في التمويل لا تتجاوز 1.6٪ في المتوسط، وهو أقل من التضخم (2.9٪).

هذه هي «معادلة الضغط» التي يعيشها القادة غير الربحيون اليوم:
طلب متزايد، وتكاليف أعلى، وموارد لا تنمو بالسرعة نفسها.

ما الذي يعنيه ذلك للقطاع غير الربحي السعودي؟

في السعودية، نرى ملامح مشابهة:

  • توسع في حجم البرامج والمبادرات؛

  • متطلبات تنظيمية وتشغيلية أعلى (حوكمة، تقارير، قياس أثر)؛

  • تضخم في تكاليف التوظيف والتقنية والخدمات الاحترافية.

الرسالة الضمنية من التقرير لقياداتنا هنا:

  1. الاستدامة لن تأتي من المنح وحدها؛ بل من إعادة تصميم نموذج العمل المالي والخدمي.

  2. التركيز على رفع كفاءة استخدام الموارد، وليس فقط على جلب موارد إضافية.

  3. التفكير في تعاونات وتحالفات بين الجمعيات لتقاسم التكلفة في مجالات مثل التقنية، التدريب، والدراسات.


رابعًا: التمويل… ما بين شح النمو وتعقّد العلاقة مع الحكومة

يرصد التقرير تغيّرًا في مستويات التمويل:

  • 44٪ من المنظمات أبلغت عن زيادة في التمويل خلال العام السابق؛

  • 29٪ شهدت انخفاضًا؛

  • 25٪ لم تشهد تغييرًا يذكر.

وعندما ننظر إلى التمويل الفيدرالي (الحكومي) نجد صورة أكثر حساسية:

  • 56٪ من المنظمات المستجيبة تتلقى نوعًا من التمويل الفيدرالي.

  • من بينها، 36٪ أبلغت عن انخفاض في هذا التمويل خلال 12 شهرًا،

  • و36٪ عن زيادة،

  • بينما ربعها تقريبًا لم يشهد تغييرًا.

أمام انخفاض التمويل الحكومي، لجأت المنظمات إلى:

  • إعادة تخصيص الموارد وتعديل الأولويات؛

  • تكثيف جهود جمع التبرعات؛

  • تقليص أو إيقاف بعض البرامج؛

  • تجميد التوظيف أو خفض عدد الموظفين في بعض الحالات.

في السعودية، التمويل الحكومي والأهلي المؤسسي (الهيئات الوقفية، الصناديق، برامج المسؤولية الاجتماعية) ما يزال لاعبًا محوريًا في تمويل الجمعيات.

ما يلمّح به التقرير هو أن العلاقة مع الممول الحكومي/المؤسسي ستزداد تعقيدًا بمرور الوقت، وأن على المنظمات أن:

  • تبني استراتيجيات تمويل متوازنة لا تعتمد على مصدر واحد؛

  • تطور قدرة حقيقية على التخطيط المالي لعدّة سيناريوهات (زيادة/ثبات/انخفاض الدعم)؛

  • وتنتقل من عقلية «انتظار المنحة» إلى عقلية الشريك الاستراتيجي الذي يقدّم قيمة ويمكن قياس أثره بوضوح.


خامسًا: الأجور والكوادر… رأس المال البشري هو ميدان الصراع

يشير التقرير بوضوح إلى أن القضية الأولى للقيادات غير الربحية هي الموارد البشرية:

  • 58٪ يواجهون صعوبات في جذب والاحتفاظ بالموظفين.

  • 51٪ يشكون من ارتفاع تكاليف العمالة.

  • قطاعات الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية هي الأكثر تأثرًا.

هذا التوتر في سوق العمل يدفع المنظمات إلى:

  • تحسين الحزم المالية وغير المالية (مرونة العمل، التطوير المهني، بيئة العمل).

  • الاعتماد أكثر على التقنية والذكاء الاصطناعي لتعويض نقص الأيدي البشرية.

  • التفكير في نماذج عمل هجينة (موظفون بدوام جزئي، مستقلون، شراكات مع مزودي خدمات).

ماذا يقول هذا لقيادات الجمعيات السعودية؟

مع التوجه الوطني لرفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي وخلق وظائف نوعية، تصبح إدارة المواهب في الجمعيات قضية استراتيجية، لا موضوعًا تشغيليًا لقسم الموارد البشرية.
نتائج التقرير تشجعنا على طرح أسئلة حادة على أنفسنا:

  • هل نملك استراتيجية واضحة لاستقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها؟

  • هل نعتمد فقط على خطاب «الأجر الأخروي» أم نقدّم مزيجًا محترفًا من الحوافز؟

  • كيف نستخدم التقنية لتخفيف عبء الأعمال الروتينية عن فرقنا الصغيرة؟


سادسًا: التقنية والذكاء الاصطناعي… من «ترف» إلى ضرورة تشغيلية

واحدة من أكثر الأقسام تقدمًا في التقرير هي ما يتعلق بالتقنية والذكاء الاصطناعي:

  • استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في المنظمات غير الربحية قفز من 31٪ في 2024 إلى 48٪ في 2025.

  • 19٪ إضافية تخطط لاعتمادها خلال 12 شهرًا، ما يرفع نسبة المستخدمين المحتملين إلى ما يقارب ثلثي القطاع.

أكثر مجالات الاستخدام شيوعًا:

  • أتمتة المهام الإدارية والروتينية؛

  • دعم العمل المحاسبي والمالي وتحليل البيانات؛

  • توليد محتوى الحملات التسويقية والتواصل مع المتبرعين؛

  • أنظمة كشف الاحتيال في التبرعات والمعاملات المالية؛

  • أدوات تقييم البرامج وتحليل بيانات المستفيدين.

في المقابل، يلفت التقرير إلى أن ثقة القيادات في قدرات الأمن السيبراني ما زالت محدودة؛ 56٪ فقط يشعرون بأنهم «واثقون إلى حد ما» في حماية بياناتهم، بينما نسبة «الثقة العالية جدًا» قليلة.

انطلاقًا من مبادرات التحول الرقمي ودعم منصات مثل «إحسان»، فإن القطاع غير الربحي السعودي يُعد بيئة خصبة لتبنّي الذكاء الاصطناعي.

لكن الدرس الحاسم من التقرير هو:

لا يكفي أن نضيف طبقة من الأدوات الذكية؛ يجب أن نضيف معها طبقة مكافئة من الحوكمة الرقمية والأمن السيبراني.

الجمعيات التي تفكر في:

  • روبوتات محادثة لخدمة المستفيدين؛

  • تحليلات متقدمة لبيانات المتبرعين؛

  • أتمتة عمليات جمع التبرعات ومتابعة المشاريع؛

تحتاج في الوقت نفسه إلى:

  • سياسات واضحة لحماية البيانات وخصوصية المستفيدين؛

  • تدريب مستمر للموظفين على ممارسات الأمن السيبراني؛

  • واختبارات دورية لاختراق الأنظمة والتأكد من صلابتها.


سابعًا: مجالس الإدارة… بين التفاعل والجاهزية للمستقبل

يقدّم التقرير قراءة عميقة لـ تفاعل مجالس الإدارة:

  • في المتوسط، يصنف التفاعل على أنه «متوسط»؛

  • 28٪ من المجالس «عالية التفاعل»،

  • 43٪ «متفاعلة»،

  • و28٪ «متفاعلة إلى حد ما».

الأهم من النسب هو العلاقة التي يرصدها التقرير بين مستوى التفاعل ومستوى الفهم المالي والتقني:

  • المجالس ذات التفاعل العالي أكثر بستة أضعاف في أن يكون لديها «فهم ممتاز» للمعلومات المالية؛

  • وهي أيضًا أكثر قدرة على فهم اتجاهات التقنية وتأثيرها على المنظمة.

في الوقت ذاته، يكشف التقرير عن فجوة مؤثرة في التخطيط للتعاقب القيادي:

  • عدد قليل من المنظمات يمتلك خططًا مكتملة تحدد الأدوار الحرجة، والخلفاء المحتملين، وخطط التطوير، ونقل المعرفة.

  • ما يقارب 10٪ من المنظمات لا تمتلك أي خطة للتعاقب على الإطلاق.

إسقاط على واقعنا:

في كثير من الجمعيات السعودية، ما يزال مجلس الإدارة:

  • منشغلًا بالملفات التشغيلية اليومية؛

  • أو قائمًا على شخص واحد محوري، تتوقف عليه العلاقات والتمويل والقرارات.

نتائج التقرير تدفعنا إلى إعادة تعريف دور المجلس:

  1. من «مجموعة متطوعين مشغولين» إلى مجلس قيادة استراتيجي.

  2. من التفكير في «مدة الدورة الحالية» إلى التخطيط لـ من سيستلم بعد خمس أو عشر سنوات.

  3. من تقييم المدير التنفيذي فقط إلى تقييم منظومة القيادة كاملة (مدير تنفيذي، نوّاب، قادة برامج).


ثامنًا: القياس المقارن (Benchmarking)… لغة المستقبل

يبرز التقرير أن المنظمات أصبحت أكثر اعتمادًا على القياس المقارن كممارسة إدارية:

  • أكثر ما يجري قياسه ومقارنته:

    • مؤشرات الأداء المالي؛

    • مؤشرات أداء البرامج والخدمات؛

    • مؤشرات جمع التبرعات؛

    • مؤشرات الموارد البشرية والمواهب.

هذا التحول من «الانطباعات» إلى «المؤشرات» ينسجم مع ما يطلبه الممولون والمنظمون في السعودية:
تقارير دورية، مؤشرات أثر، لوحات متابعة تنفيذية.

وهنا يفتح التقرير نافذة دور لـ البنك الثالث نفسه ليكون:

  • منصة تقدم أدوات قياس معيارية مكيّفة للسياق السعودي؛

  • تساعد الجمعيات على مقارنة أدائها بمعايير عالمية ومحلية؛

  • وتربط بين الأرقام اليومية وبين قرارات مجلس الإدارة طويلة الأجل.


تاسعًا: ماذا يمكن أن يستفيد القائد غير الربحي السعودي عمليًا؟

بدلًا من الاكتفاء بنقل الأرقام، يمكن تحويل نتائج تقرير Grassi إلى مجموعة أسئلة عملية يطرحها كل قائد على نفسه وعلى فريقه:

  1. في جانب الطلب والخدمات

    • كيف يتغيّر حجم الطلب على خدماتنا؟ وهل نملك بيانات دقيقة عن ذلك؟

    • هل يستوعب نموذج عملنا الحالي هذا النمو، أم أننا نحتاج لإعادة تصميمه؟

  2. في جانب التمويل والاستدامة

    • ما نسبة اعتمادنا على مصدر تمويل واحد؟ وما أثر فقدانه؟

    • ما هو السيناريو المالي إذا ارتفعت التكاليف 10–15٪ في السنوات القادمة؟

  3. في جانب الموارد البشرية

    • ما هي خطتنا لجذب الكفاءات والاحتفاظ بها خلال 3–5 سنوات؟

    • أي مهام يمكن أتمتتها لتحرير وقت الفرق لمهام أعلى قيمة؟

  4. في جانب التقنية والذكاء الاصطناعي

    • ما هي أفضل حالات الاستخدام التي يمكن أن تخفف العبء عن فرقنا اليوم؟

    • هل لدينا سياسة مكتوبة للأمن السيبراني وتدريب مستمر عليها؟

  5. في جانب الحوكمة والتعاقب القيادي

    • كيف نقيس تفاعل مجلس الإدارة وجودة مساهمته؟

    • من هم «القادة البدلاء» المحتملون في الصف الثاني والثالث؟ وهل نُعدّهم فعلا؟

  6. في جانب القياس المقارن

    • ما هي مجموعة المؤشرات الأساسية التي سنلتزم بقياسها ربع سنويًا؟

    • مع من نقارن أنفسنا؟ وكيف نستخدم النتائج في صنع القرار؟


عاشرًا: تنبيه حقوقي واقتراح للاستخدام

حقوق وملكية فكرية
هذا الملف هو قراءة تحليلية مستقلة باللغة العربية لمحتوى تقرير
2025 Nonprofit Leadership Survey Report 2025/2026
الصادر عن Grassi Advisors & Accountants.
جميع الأرقام والرسوم والمؤشرات الواردة مستندة إلى التقرير الأصلي، وقد أُعيد تقديمها لأغراض الإثراء المعرفي غير التجاري ضمن «البنك الثالث | موسوعة الإثراء المعرفي للقطاع غير الربحي».
جميع الحقوق الفكرية للمحتوى الأصلي محفوظة لشركة Grassi.

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top