نحو جمعيات أهلية متناهية الصغر

ع ع ع

بقلم : أديب بن محمد المحيذيف

جمعية تمكين الشباب لتنمية المجتمع الأهلية



تسعى المملكة العربية السعودية ومن خلال رؤيتها 2030 لخلق مجتمع تنافسي في كافة القطاعات الحكومية والخاصة والخيرية بأدوات ووسائل تتناسب مع مشاريعها التنموية والمرتكزة على الإبداع والابتكار وإيجاد حلول مجتمعية ذات كفاءة وفاعلية لمعالجة المشكلات والتحديات الحالية والمستقبلية .

وللعمل المجتمعي والتنموي حظه الوافر في رؤية المملكة 2030 ، حيث تضمنت الرؤية مجموعة من المؤشرات والمبادرات التي ترفع من أهمية العمل التنموي وتأسيس الكيانات غير الهادفة للربح .

فقد استهدفت الرؤية رفع مساهمة القطاع غير الربحي من إجمالي الناتج المحلي إلى 5% والوصول إلى مليون متطوع عام 2030 .

كما تضمن برنامج التحول الوطني لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية هدف الوصول لتأسيس 2000 جمعية جديدة تغطي كافة التصنيفات المعتمدة للجمعيات الأهلية بالمملكة وعددها 87 تصنيفاً بحلول عام 2020 .

ويزداد دور القطاع الخيري والتنموي مع تنوع حاجات الناس ونشوء احتياجات ومجالات جديدة ولا يوجد من يسعى لسد هذه الاحتياجات المستجدة إما لعدم الرغبة في ذلك أو لعدم القدرة عليه أو نقص في الكوادر المؤهلة القادرة على معالجة هذه الاحتياجات الجديدة .

 

الواقع التنظيمي للجمعيات الأهلية بالمملكة العربية السعودية :

تُؤسس الجمعيات الأهلية بالمملكة العربية السعودية من قبل جمعية تأسيسية كان عدد أعضائها في السابق 20 شخصاً واما الآن وبعد التعديلات الجديدة على النظام أصبحت تؤسس من قبل 10 مؤسسين على أقل تقدير .

كما تلتزم الجمعية التأسيسية بترشيح مجموعة منها لا تزيد عن 50% ليكونوا أعضاء مجلس إدارة للجمعية.

إذن الجمعية الأهلية في هيكلها العام تتألف من جمعية عمومية ومجلس إدارة وإدارة تنفيذية وعلى هذا فإن أي جمعية لابد لها من وجود 15 إلى 20 شخصاً على الأقل لتتم إدارتها بالشكل النظامي الحالي .

كذلك فإن أعضاء مجالس الإدارات متطوعون ويعملون على الإشراف والمتابعة ووضع الخطط واستشراف المستقبل وحل المشكلات التي تواجه الإدارات التنفيذية .

من هنا أطرح مجموعة من التساؤلات :

-         هل هيكلة الجمعيات الحالية تساعدنا على تأسيس جمعيات رشيقة وسريعة الإنجاز وقليلة المخاطرة ؟

-         هل لدى المجتمع ما يكفي من الكوادر البشرية القادرة على إنتاج وتأسيس آلاف الجمعيات المتخصصة في كافة تصنيفات الجمعيات الأهلية ؟

-         هل الوضع الاقتصادي قادر على استيعاب آلاف الجمعيات الأهلية الملتزمة بذات الهيكلية التنظيمية والتي غالباً ما تكون مكلفة بسبب تعدد مستويات الإشراف فيها .

-         كيف يمكن تأسيس جمعيات أهلية تغطي كافة التصنيفات بأقل قدر من الموارد البشرية والمالية ؟

-         لماذا لا تكون الجمعيات الأهلية أحد المرتكزات المساهمة في تخفيض نسب البطالة بصورة أكثر كفاءة وفاعلية ؟ 

 

من خلال البحث الميداني وطرح الأسئلة على الزملاء القائمين على شأن الجمعيات الأهلية تبرز مجموعة تحديات تواجههم لتحقيق أهداف جمعياتهم ويبقى أهم وأكبر التحديات هو ما يتعلق بالمورد البشري الكفؤ وتنمية الموارد المالية بالإضافة أن 25% - 35% من إيرادات الجمعية تذهب للمصروفات العمومية والإدارية والتشغيلية .


والسؤال الآن : كيف يمكن أن نؤسس جمعيات أهلية تساهم في تحقيق رؤية المملكة 2030 في القطاع غير الهادف للربح وتغطي كافة التصنيفات الفرعية للوزارة وعددها 87 صنفاً ؟

الجواب هو ما أطرحه بين يديكم والحديث عن جمعيات متناهية الصغر والتي أرى أنها ستحل مجموعة من الإشكاليات التي تواجه القطاع غير الربحي حالياً .

أقرب مثال يعطي تصوراً عن الجمعيات المتناهية الصغر هي الشركات ذات المسؤولية المحدودة ، هذه الشركات ليس لها مجلس إدارة بل المؤسسون هم موظفون فيها ويعملون لتنفيذ خططها وتحقيق أهدافها .

هل يمكننا استنساخ هذا المثال وتطبيقه على نموذج جديد للجمعيات الأهلية لتكون جمعيات متناهية الصغر يؤسسها ويديرها مجموعة تتألف من 3 إلى 5 أعضاء ؟ ولا تلزمها الوزارة بجمعية عمومية ولا مجلس إدارة ؟

هل هذا النموذج موجود ولكن بمسميات أخرى وهل توجد تجارب عالمية لجمعيات متناهية الصغر ؟

الجواب نعم ، نحن نشاهد بين فترة وفترة بروز مجموعة من المبادرات المجتمعية ذات الأثر الاجتماعي الكبير وبعض هذه المبادرات تفوز بجوائز محلية مثل جائزة الملك خالد لشركاء التنمية .

مبادرات مثل : حصالة ، حملة آدم ، نادي كتابي فازت بجائزة الملك خالد فرع شركاء التنمية عام 2018

وفي عام 2019 فازت ثلاث مبادرات مجتمعية أخرى هي : وتين ، إحياء ، دراجتي السعودية

هذه مبادرات شخصية قام عليها مجموعة من الشباب والفتيات وأعتقد إمكانية تحويلها لجمعيات متناهية الصغر يديرها ويشرف عليها مؤسسوها ويكون لها ترخيص رسمي وحسابات بنكية باسمها لتكون أكثر قابلية للاستدامة والنمو .

مثال آخر لجمعيات متناهية الصغر ولكن في بريطانيا ، فقد ذكر الأخ الصديق أ.أمين الدخيل في تغريدات له على تويتر نقلاً عن (جوهن بورنيل) مستشار المنظمات غير الربحية عن وجود جمعيات خيرية بريطانية دخلها السنوي 10 آلاف جنيه استرليني أي قرابة 50 ألف ريال سعودي ، ولو أُعدت دراسة علمية وميدانية لهذه الجمعيات لربما نصل إلى نموذج عمل واضح وقابل للتطبيق لجمعيات متناهية الصغر .

في نظري أن أحد مشاكل التأسيس لدى الجمعيات الأهلية أن صاحب الفكرة والمبادرة (المؤسس الرئيس) يكون عليه عبء التأسيس بنسبة كبيرة ومن ثَم يقع في إشكالية هل يكون هو رئيس مجلس الإدارة أو عضواً في المجلس وبالتالي فيجب عليه حسب النظام تعيين إدارة تنفيذية تشرف على أعمال الجمعية التي أسسها ويقع في أزمة تباين الأفكار والوسائل بينه وبين المدير التنفيذي ، أو يرشح نفسه مديرا تنفيذياً للجمعية ثم يقع في أزمة الصلاحيات والقرارات بينه وبين مجلس الإدارة الذي يعمل عنده موظفاً .

من هنا قد يكون وجود نظام يسمح بتأسيس جمعيات أهلية متناهية الصغر يديرها ويعمل بها المؤسسون مخرجاً جيداً من هذه الإشكالات .

 

ماذا نستفيد من مثل هذا النظام ؟

عادة يقترن الابتكار وتعظيم الأثر المجتمعي بعدة عوامل من أهمها الرشاقة لدى المنظمة غير الربحية ، حيث يتخفف المؤسسون من الكثير من الالتزامات المادية والبشرية وإجراءات العمل الطويلة والمملة مما يساعدهم على التركيز على الإنجاز والعمل والإنتاجية .

كما أن هذا النظام يفتح فرص عمل لأصحاب المبادرات من خلال تأسيس جمعيات أهلية وكيانات غير ربحية ويستفيدون ماديا من نتاجهم المجتمعي وهذا لا يتوفر لهم بشكل كامل حسب الأنظمة المتبعة حالياً .

كذلك نستفيد من هذا النظام في تأسيس جمعيات صغيرة تعالج تحديات مجتمعية محددة في نطاق جغرافي ضيق وهذا ينعكس بشكل إيجابي على نتائج أعمالها وتركيزها على المخرجات والمستهدفات وحسب تقديري فإننا لن نصل إلى هذه المرحلة من التركيز وفقا للأنظمة الحالية التي تشترط وجود ثلاث مستويات إدارية لكل منها صلاحياتها وإجراءاتها الإدارية .

ولعل من فوائد النظام قلة المخاطر لدى هذه الجمعيات ، حيث أنها تعتمد على موارد مالية محدودة ولا تحتاج لتوظيف كوادر بشرية وبالتالي تكون مصارفها الأساسية معتمدة على المشاريع والتشغيل وهي مصاريف متغيرة وليست ثابتة تضطر الجمعية لتحملها بغض النظر عن وجو أنشطة من عدمها .

 

كيف ينجح نموذج ( الجمعيات الأهلية متناهية الصغر ) ؟

كما ذكرت سابقاً فإن الهدف من هذا النموذج إيجاد جمعيات أهلية تعالج تحدي أو توفر احتياج محدد وبهذا فهي تحتاج لمجموعة من الممكنات لكي تنجح وتؤدي دورها المجتمعي ، من هذه الممكنات الآتي :

1-    توفير مقرات ثابتة بمساحات مناسبة لحجم كل جمعية ويمكن تحقيق ذلك من خلال استئجار مساحة مكتبية كبيرة ثم تقسيمها على شكل وحدات بمقاسات متنوعة وتتقاسم هذه الجمعيات تكاليف الإيجار والمصروفات الإدارية والعمومية ونحو ذلك أو من خلال الشركات ذات المسؤولية المجتمعية واستضافتهم لهذه الجمعيات حسب القدرات والإمكانات .

2-    دعم هذه الجمعيات من خلال تقديم الخدمات المساندة والإدارية والمالية والتسويق سواء من جهة مختصة أو جمعيات الدعم والمؤازرة أو الشركات ذات المسؤولية المجتمعية وتتفرغ إدارات الجمعيات متناهية الصغر لتحقيق الأثر الذي أُنشئت الجمعية لأجله .

3-    وضع إطار منطقي لحوكمة هذه الجمعيات بما يسمح مرونة إجراءاتها الإدارية ويحفظ حقوق الجمعية وأصولها الرأسمالية .

4-    تأسيس مراكز التفكير المجتمعية التي تدرس وتكتشف وتستشرف التحديات والاحتياجات المجتمعية وتساهم في تصميم وابتكار الحلول لها وتوجيه المبادرين من المجتمع لتأسيس الجمعيات المتخصصة التي تعالج هذه التحديات وتوفر الاحتياجات .

5-    تحفيز وتدريب هذه الجمعيات على أدوات الابتكار ووسائله والتي تساهم في تعظيم الأثر وتقليل النفقات التشغيلية .

  

ما المطلوب الآن ؟

في نظري أن هذا النوع من الجمعيات يحتاج لنظام متكامل يخدمه في مرحلة التأسيس ومرحلة التشغيل .

يوضح النظام المعايير العامة التي تحدد عدد المؤسسين ومستوى تخصصهم لنشاط الجمعية وآليات انتقال الجمعية متناهية الصغر إلى جمعية عادية تلتزم بوجود جمعية عمومية ومجلس إدارة وغيرها من المعايير .

كما أن هذا النوع من الجمعيات يحتاج لجهات خارجية تضبط لديها الحوكمة ومراجعة الحسابات والتأكد من سلامة الإجراءات الداخلية ونحو ذلك .

 

ختاماً :

فهذا طرح أولي يشرح نوع جديد للجمعيات الأهلية وقابل للمدارسة والتطوير والتحسين حتى نصل بحول الله لتحقيق الاستحقاقات المطلوبة للقطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية .

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top