إدارة النزاع في المنظمات غير الربحية

ع ع ع

يُهدر الكثير من الوقت في المنظمات غير الربحية في حل الصراعات والتعامل مع عواقبها، مع العلم أن هذه الصراعات عادة ما تكون ناجمة عن التغيرات المستمرة في المنظمة. كما تحدث بعض الاضطرابات داخل المنظمات غير الربحية بسبب تغييرات في تمويل الموظفين والمتطوعين وإعادة توزيع الأدوار، فضلاً عن الأدوار المزدوجة لأعضاء مجلس الإدارة، الذين يلعبون أيضا دور المتطوعين.

ويحمل أعضاء مجلس الإدارة الجدد وجهات نظر مختلفة للمنظمات، مما يؤدي إلى تغيير سياسة المنظمة. في الأثناء، يمكن للقيادة والرؤى الجديدة أن تجعل الموظفين والمتطوعين يشعرون بالارتباك والقلق بشأن مستقبل المنظمة. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون محيط العمل المتغير باستمرار أرضاً خصبة لتنامي الضغوط الشخصية، والشعور بالاستياء، والعداوة، والنزاع بين الأشخاص.

وعلى الرغم من أن الصراع قد ينتج عندما يتشارك شخصان أو أكثر في عمل ما، إلا أن تفادي حدوث ذلك يظل أمراً صعب المنال. في المقابل، قد يكون الصراع إما عائقاً أمام التوصل إلى نتائج بناءة أو مصدراً إيجابياً للطاقة والإبداع. ويكمن الحل في أن يتعلم أعضاء المنظمة التعامل مع الصراعات بفعالية من خلال حسن التعامل مع الخلافات بين الأشخاص.

في الحقيقة، يقف إطلاق الأحكام المسبقة تجاه الأشخاص وراء نشوب العديد من الصراعات الشخصية، حيث غالباً ما لا تستند تلك الأحكام إلى معلومات واقعية. في هذا السياق، عندما نتهم الآخرين من خلال فرضيات لا أساس لها من الصحة، فنحن نعرض أنفسنا لردود فعل سلبية للغاية من جانبهم.

من هذا المنطلق، يمكننا أن نتعرف على الأسباب الجذرية للنزاع من خلال التمعن فيما نفترضه بشأن الآخرين، والتحقق من ذلك عبر التواصل المباشر معهم. ويعد مجرد التيقن من أننا نتصرف طبق فرضيات غير صحيحة بمثابة خطوة إيجابية نحو الحد من الصراع.

يمثل تعلم الإنصات إلى الآخرين بشكل أفضل إحدى الطرق الفعالة لتصحيح فرضياتنا. ويمكنك التحقق من مدى فعالية هذه الطريقة من خلال طرح بعض الأسئلة على غرار “متى شعرت آخر مرة أنه تم الاستماع لما تقوله؟ هل تم الإنصات إليك حتى انتهيت من الكلام؟ هل أخبرك مخاطبك أنه استمع إليك من خلال التحقق مما فهمه من كلامك؟ هل أجبته عن طريق تصحيح معلومات خاطئة؟ هل تم تقديم المشورة لك أو طمأنتك بشأن أمر ما؟ هل حوّل سياق المحادثة بعيداً عن تجربتك للحديث عن تجربة مماثلة أو لشكوى تتعلق به؟ هل قاطعك ودعاك للدخول في صلب الموضوع؟

 

في الواقع، يمكن أن يكون الاستماع الجيد طريقة فعالة، لأنه يساعدنا على تفادي وقوع الخلافات فضلاً عن حلها في بعض الأحيان، سواءً في حياتنا الشخصية أو العملية. إن الاستماع للآخر باهتمام لا يعني بالضرورة الاتفاق   معه حول وجهة نظره، ولكن يدل على أننا نهتم ونقدر وجهة نظر الشخص الآخر بقطع النظر عن اختلافها عن وجهة نظرنا.

 

وفي بعض الأحيان، نعجز عن حل خلافاتنا مع الآخرين، بغض النظر عن حسن نيتنا وإتقاننا لمهارات التواصل. وفي مثل هذه الحالات، يكون من الضروري الاستعانة بوسيط، الذي عادة ما يكون طرفاً ثالثاً محايداً. ويساعد الوسطاء الأشخاص على تعلم مهارة الاستماع وفهم بعضهم البعض، كما يسهلون النقاش بين الطرفين حتى يتمكنوا من النظر في مجموعة متنوعة من الخيارات، من أجل التوصل إلى تفاهم مشترك وحل الخلاف. وغالبا ما تكون النتيجة اتفاقاً يرضي الطرفين.

 

تجدر الإشارة إلى أن الوساطة تتطلب تحولاً جذرياً في طريقة التفكير، والتخلي تحديداً عن فكرة “أنا على صواب وأنت مخطئ”، وذلك من أجل فهم شامل لأبعاد الصراع. فضلا عن ذلك، تعني الوساطة التخلي عن فكرة أن الآخرين فقط يمكنهم حل مشاكلنا، وبالتالي، القبول بفكرة تحملنا لمسؤولية قراراتنا.

 

في الحقيقة، غالباً ما يلجأ الأشخاص إلى الوساطة، ولكنهم يحملون معهم مشاعر السخرية، وعدم الثقة والغضب، وعادة ما يلقون باللوم على الآخرين. مع ذلك، تمكنهم عملية الوساطة من التعبير عن هذه المشاعر السلبية وتحويلها في نهاية المطاف إلى محفزات للتغيير البناء.

 

عموماً، تعتبر كل المنظمات معرضة لنشوب الصراعات، ولكن يمكن للأفراد في صلب المنظمات المضي قدماً نحو تحسين العلاقات والإنتاجية عندما يكون هناك رغبة في دراسة أساليب التفكير والسلوك البالية، واستبدالها بأخرى تكون بناءة. لذلك، يعتبر الإنصات الفعال، وكذلك الوساطة، أدوات فعالة جداً بالنسبة للموظفين والمتطوعين وأعضاء مجلس الإدارة في المنظمات غير الربحية لحل النزاعات فيما بينهم.

————————————————–

الكاتب: إليزابيث سيمان

الموقع: ميدييت

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top