الصدمة التي يسببها الممولون: كيف تُشكّل وعي قادة المنظمات غير الربحية وتعيد تشكيل القطاع بأكمله؟

ع ع ع

حين نتحدث عن العلاقة بين الممولين والمنظمات غير الربحية، غالبًا ما تُقدَّم في إطار دعم وتمكين وتعزيز أثر. غير أن الكاتب والناشط الأمريكي Vu Le – صاحب مدونة Nonprofit AF وأحد أبرز الأصوات النقدية في القطاع – يقلب الصورة رأسًا على عقب في مقاله المنشور بتاريخ 3 يونيو 2025، ليكشف كيف أن الممارسات التمويلية ذاتها قد تكون سببًا في أذى عميق ترك أثره النفسي والمؤسسي على قادة المنظمات وعلى القطاع ككل.

يصوغ الكاتب مصطلحًا لافتًا:
ليصف من خلاله حصيلة عقود من الدعم المشروط، والتمويل قصير الأمد، والبيروقراطية المعقدة، وانعدام الثقة.


جذور المشكلة: سلطة بيد الممول

في المشهد التقليدي، يضع الممولون الاستراتيجيات، وتضطر الجمعيات لمواءمة نفسها للحصول على التمويل. ومع أن هناك حديثًا متزايدًا حول نقل السلطة للمجتمعات الأقرب للمشكلات، إلا أن تراكم الممارسات السابقة خلق "برمجة" عميقة يصعب تجاوزها بمنحة تشاركية هنا أو مشروع مرن هناك.

إلى جانب ذلك، يواجه كثير من القادة طبقات إضافية من الأذى البنيوي كالعنصرية أو التمييز أو التهميش، مما يضاعف من آثار هذه الصدمات.


تجليات الصدمة على القادة

يوضح Vu Le أن هذه "البرمجة" انعكست على سلوكيات وذهنيات قادة القطاع في صور عدة:

  • انكماش الخيال: استبدال الأحلام الكبيرة بواقع ضيق تفرضه استراتيجيات الممولين.

  • الخوف من الطلب الصريح: لأن الرفض أو التمويل الجزئي المشروط أصبح هو القاعدة.

  • قصور في التفكير بعيد المدى: بفعل شيوع المنح السنوية.

  • التنافسية المفرطة: إذ وضعت آليات المنح المنظمات في مواجهة بعضها البعض.

  • النفور من المخاطرة والفشل: حتى لا يُعاقَبوا بقطع التمويل.

  • التركيز على ما يُقاس بسهولة: على حساب الأهداف الجوهرية بعيدة الأمد.

  • التحفظ وانعدام الثقة: حيث يُخفي القادة التحديات الحقيقية خشية فقدان الدعم.

  • العجز المتعلم: نتيجة الإحباط المتكرر من محاولات التأثير على سياسات التمويل.


ما الذي يُطلب من الممولين؟

ينقل الكاتب دعوة صريحة للمؤسسات المانحة: إذا أردتم فعلًا تمكين المجتمعات ونقل السلطة إليها، فعليكم تفكيك هذه الصدمات لا إعادة إنتاجها. وذلك لا يتحقق إلا من خلال:

  • تمويل حلول تقودها المجتمعات دون تمييعها.

  • تقديم تمويل غير مقيّد يمتد لعشر سنوات أو أكثر.

  • تبسيط طلبات المنح والقبول بالمقترحات المكتوبة مسبقًا.

  • دعم المناصرة والتغيير البنيوي لا المشاريع الخدمية فقط.

  • الاستثمار في راحة القادة وصحتهم النفسية وتعافيهم.

  • التعامل كشركاء حقيقيين لا كجهة إشرافية.

  • الالتزام بالتحول طويل المدى حتى وإن كان فوضويًا أو غير خطي.


قراءة في السياق السعودي

في المملكة، يشهد القطاع غير الربحي طفرة تنظيمية ورقابية كبرى بقيادة المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، مع توسع في حجم التمويل وتنوع في مصادره. غير أن التحديات التي أشار إليها Vu Le ليست بعيدة عنا:

  • لا تزال كثير من الجمعيات محكومة بالمنح قصيرة الأمد.

  • غالبًا ما يُطلب منها تنفيذ مشاريع وفق أولوية الممول لا وفق استراتيجيتها.

  • يواجه القادة ضغطًا لإظهار "نجاحات سريعة" بدلًا من العمل على تغيير جذري طويل المدى.

من هنا، فإن تبني تمويل مرن طويل الأمد، وتشجيع التجارب الجريئة، والاعتراف بأهمية صحة القيادات واستدامة المنظمات، ليست مجرد خيارات، بل ضرورة لضمان أن يصبح القطاع رافعة حقيقية لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.


يختم Vu Le مقاله برسالة قوية: لا يمكن للممولين أن يطالبوا المجتمعات المهمشة والأكثر تضررًا بأن تقود التغيير بينما هم يواصلون تكريس ممارسات تعيد إنتاج الصدمات ذاتها.
إن تحويل علاقة التمويل من علاقة مشروطة مثقلة بالقيود إلى شراكة أصيلة قائمة على الثقة والاستدامة، هو الطريق الوحيد كي يصبح التمويل أداة للتمكين لا أداة للتقييد.

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top