التوزان أهم من الاستدامة

ع ع ع

إنّ اعتماد المُنظّمات على عدد قليل من الموارد قد يُقلل التّكلفة لكنّهُ قد يزيد في المخاطر، لأنّ صافي التبرعات يُساوي مجموع التبرعات ناقص تكلفة جمع التبرعات، بينما مُعدّل تكلفة التبرعات يُساوي تكلفة جمع التبرعات مقسومًا على مجموع التبرعات، والاعتماد على موارد مُحددة يُساوي مجموع أعلى خمسة موارد على مجموع المصروفات، في حين أن سلامة جمع التبرعات تُساوي صافي جمع التبرعات زائد التوازن بين عدد الموارد وتكلفتها.


ومع ذلك، تُصبح هذه التّحدّيات الماليّةُ مُتفاقمةً إذا لم تطغى عليها عوامل أخرى مثل خدمة المجتمعات الأشدّ احتياجًا والتي تقف عائقًا أمام المُنظّمات غير الرّبحيّة التي تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة أو ذوي الدّخل المُنخفض وأحيانا الأقليّة من النّاس، خُصوصًا عندما يواجهون تحديات مُتعلّقة بموازنة المجتمع على جبهات متعددة والتي تتجاوز بكثير مُهمة المنظمة، نذكر منها على سبيل المثال، التحدّيات الاقتصادية وضعف التعليم وسوء الصحة والقضايا المُتعلّقة بتفشّي الجريمة أو السلامة ومخاوف الإسكان وتضعضع الأعمال أو انحدار التنمية في المجتمعات.


ونُنوّهُ بضرورة فهم المُنظّمات لقيمة التّفاعل بين السياقات الاقتصاديّة والثقافيّة للمجتمعات منخفضة الدخل وتحديات الاستدامة التي تواجهها لتعظيم الاستراتيجيات المُتعلّقة بمُواجهة هذه المصاعب الاستداميّة، وتحسين الخدمات غير الهادفة للربح للمجتمعات ذات الاحتياجات العالية والتي تُعتبرُ تحديات فريدة بالنسبة إلى المنظمات غير الربحية التي تخدم السُّكّان ذوي الدخل المنخفض على استخدام الاستراتيجيات لتعزيز الاستدامة المالية.


وعلى الرُّغم من أهميّة مفهوم الاستدامة الماليّة إلا أنّه في الحقيقة يصفُ نتيجة لامتلاك المُنظّمة غير الرّبحيّة لما يسمى القُدرة المالية Financial Capacity لا غير، ومفهوم القُدرة الماليّة يتضمّن امتلاك المنظمة الخيريّة للأدوات التي تُعطيها القدرة على التوسّع في الفرص السانحة والتعامل مع المخاطر غير المتوقعة وفي الوقت ذاته إدارة عملياتها المعتادة، والقدرة المالية عدة مظاهر داخلية ومظاهر خارجية، ومن علامات القدرة المالية الداخلية أن تمتلك المنظمة مصادر توليد الدخل Income Generation كالأوقاف والاستثمارات وبيع السلع والخدمات والعضوية وغيرها، ومن علامات القدرة المالية الخارجية أن تكون مصادر الدعم للمنظمة مصادر متنوعة. ويرى خبراء مُتخصّصون أنّ 60% من ميزانيّة المُنظّمة الخيرية يجب أن تأتي من 5 مصادر مختلفة على الأقل كأحد المؤشرات على الصحّة المالية للمنظمة الخيرية Financial Health.

 

فحتّى مع امتلاك أوقاف فإن أمام المنظمة غير الرّبحيّة تحديان كبيران، أولهما أنها تعمل لصالح مجتمعات متنامية الحاجات، وثانيهما أنها تعيش في قطاع تنافسي يبحث القديم فيه والجديد عن حصته من الكعكة، وتكمن أهمية الحديث عن الاستدامة المالية، في أن أغلبية المنظمات الخيرية تعتمد على مصادر دعم مالية خارجية كالحكومات والمؤسسات المانحة والتجار، وهذه مصادر رغم سخائها إلا أنها غير أكيدة على المدى البعيد.

 

وتُعرّف الاستدامة الماليّة Financial Sustainability على أنّها الحالة الماليّة التي تكون فيها المُنظّمة الخيريّة قادرةً على الاستمرار في تحقيق رسالتها الخيرية على المدى الطويل، ومن هنا تتّضح أهميّة الاستدامة الماليّة باعتبارها شرطًا لبقاء المُنظّمة الخيريّة ذاتها وقُدرتها على إحداث التّغيير المنشود في المستهدف على أرض الواقع، فالمال عصب حياة المنظمة الخيرية وشريانها النابض.

 

ومع أنّ الاستدامة المالية شرطٌ لاستدامة المُنظّمة الخيريّة بشكل عام، إلاّ أنّ المُنظمة الخيريّة مطالبةٌ بالتّوازن بين تحقيق الملاءة المالية وتحقيق الرّسالة الخيرية، وهذا حقاً أحد التحديّات أمام المنظمة الخيريّة، فالانشغال في تعزيز المكانة الماليّة للمنظمة يجب ألاّ يكون على حساب تحقيق الرّسالة الخيريّة التي من أجلها تأسّست المُنظّمة والعكس صحيح.

 

ولذلك فإنّ قيادات المنظمات الخيرية ومُديريها التنفيذيّين مدعوّون إلى تبنّي نموذج استراتيجيّ يدمجُ بين كفاءة الأداء الماليّ والرّأسماليّ في مُنظّماتهم.

 

المصدر


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top