تحديات الاستدامة المالية للمنظمات غير الربحية

ع ع ع

1- الاعتماد على مصادر التمويل الخارجي والإيرادات:

على عكس المنظمات الهادفة للربح تعتمد المنظمات غير الربحية على سبيل المثال على مجموعات مُتنوعة من مصادر التمويل والتّدفُّقات الماليّة للحفاظ على عمليّاتها، ومُعظم المُنظّمات غير الربحيّة تتلقّى أموالاً من مصادر مُتعدّدة مثل الحكومة والمُؤسّسات والجهات المانحة الخاصة والإيرادات على غرار المنح والعقود ورسوم الإنضمام والاشتراكات، لذلك تحتاج المنظمات غير الربحية إلى تنويع مصادر الدخل والإيراد، وأعادة تقييم المشروعات التي تسوقها ومبالغ المساهمة فيها.


2- تخفيضات كبيرة في المنح الحكوميّة والمُؤسّساتيّة:

يجبُ على المُنظّمات غير الربحيّة أن تضع خُطط جمع التبرعات لدعم الاستدامة الماليّة أو تعيد النّظر فيها وتُفكّر في أساليب مُبتكرة لجمع التبرُّعات، ومن بين الطرق الواعدة التي تستطيع المنظمات غير الرّبحيّة من خلالها التغلب على الاعتماد على مصادر تمويل خارجية محدودة التّفكير بشكل أكثر إبداعاً، في استراتيجيّات جمع الأموال والتّفكير في الّدور الذي تلعبه المُنظّمات غير الرّبحيّة غير التقليدية أو الأفراد. 

ويُسلّطُ ذلك الضّوء على الدّور الذي يلعبُه الاقتصَاد الدّائريّ في القُدرة الماليّة للمُؤسّسات غير الربحيّة، خُصُوصًا تلك التي تخدم المُجتمعات ذات موارد قليلة، حيث أنّ هذا الصّنف غالبًا ما يجلب موارد ملموسة بدرجة أقلّ للعلاقات مع المُؤسسة، مثل المُتطوّعين الجُدد والموارد الإضافيّة والاتّصالات الجديدة والسُّمعة والمانحين الجُدد. 

وعلى الرُّغم من أنَّ الاقتصاد الدّائريّ يُوفّر إمكانيّات كبيرة لجلب فوائد ذات قيمة مُضافة كثيرة إلى علاقة التّمويل، إلا أنّها قد تجلبُ أيضاً تحدّيات أو تعقيدات إضافيّة بخلاف تلك التي يطرحها عادة الممولون الأكثر تقليديةً. على سبيل المثال، قد يكون تطوير العلاقات أكثر تعقيداً في طبيعتها وقد يتطلّب مُستوى عالٍ من التّفاعل مع مُتلقّي التّمويل.


3- تعزيز العلامة التجاريّة للمُنظّمات غير الرّبحية:

تعتمدُ المُنظّمات غير الربحيّة شأنُها شأن المُنظّمات الرّبحيّة على جُهودها في التّسويق لعلامتها التّجاريّة بغاية التّرويج لخدماتها والحفاظ على استمراريّة برامجها. ومع ذلك، فإنَّ الاعتماد على التوقعات المُتنافسة يُشكّل مصادر تمويل خارجية متعددة، فضلاً عن أنَّ الدّافع إلى التصدّي للتحدّيات الاجتماعيّة المتنوعة داخل المجتمع، يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم تحقيق أرباح كثيرة في مهمة اجتماعية مُتباينة. 

وبالتّالي تبرُزُ أهميّةُ إنشاء "علامة تجارية" لمُنظّمة غير ربحية وتعزيزها بطريقة تجعلُها تعملُ بشكل واضح ومُتواصل على توصيل مُهمّة المُنظّمة والخدمات المُقدّمة بطريقة تميّزها عن المنظمات غير الرّبحيّة البديلة أو المُؤَسّسات الرّبحيّة. ومن أبرز عناصر إنشاء علامة تجارية مُنظّماتيّة، تحديد مُهمّة المُنظّمة وتطويرها وتُوصفُ المُهمّة في القطاع الثّالث بالاجتماعيّة، وتُجسّد العلامة التجاريّة مجموعةً من الخصائص التي يعتقد الأفراد من خارج المُؤسسة أنّه سيتمُّ تقديمها بشكل متسق، ويُمكنها أن تنقل مكانة المُنَظّمة غير الرّبحية في المجتمع وكذلك في السوق العامّة.


4- تحديد وتطوير المهامّ التنظيميّة أو الاجتماعيّة:

يُساعد تحديد ومُعالجة مشاكل الحياد عن المهامّ ووضع الخُطط التّسويقيّة الشفّافة على إبلاغ المهامّ الاجتماعية للمُنظّمات غير الربحيّة للمُموّلين والمجتمع الذي تنتمي إليه هذه المُنظّمات، والعلامة التجاريّة التي تتواصل بشكل واضح ومتسق مع المهامّ الاجتماعيّة للمُنظّمات غير الرّبحية تبني أواصر الثّقة بين المنظمة غير الربحية ومكوناتها الأُخرى ورُبّما تقوم بعزلها في النهاية عن المنافسة مع المنظمات الأخرى.


5- التوقُّعات الخارجيّة للشّراكات مع المُنظّمات:

بسبب التغييرات في مناخ التمويل والتحدّيات الماليّة التي تواجهها العديد من المُنظّمات غير الربحيّة خلال الأوقات الاقتصاديّة المُضطربة، بدأت هذه المنظمات في النظر في التعاون الرسميّ كوسيلة للاستجابة لطبيعة الموارد المُتغيرة وتقليل المنافسة على مصادر التمويل وهي فرصةٌ جديدةٌ لاستكشاف الشّراكات المُحتملة بين المُموّلين الذين يحاولون مُضاعفة التّأثير عبر موارد محدُودة. وتُشير المصادر الموجودة إلى أنّ الدّافع إلى إقامة تعاون رسميّ يأتي عادةً من خارج المُنظّمة. وقد تُوفّر الولايات الصّادرة عن السُّلطات العليا (مثل الهيئات الحكوميّة، أو التّشريعات، أو الصّناعة، أو الهيئات التنظيمية المهنيّة) الزّخم اللاّزم للعلاقات التعاونيّة التي ما كانت لتنشأ طواعيةً لولا ذلك.


وفي هذه الحالات، يجبُ على مُقدّمي الطّلبات من الحكومة أو الصناديق التأسيسية أن يُثبتوا التزامهم بتقاسم الموارد التنظيميّة أو التّنسيق الرسميّ للخدمات مع مُقدّمي الخدمات الآخرين، وكثيرا ما يُطلب منهم تقديم طلبات المنح المشتركة. ومع ذلك، فإنّ التكلفة المحتملة لانخفاض الاستقلال الذاتيّ التشغيليّ وللبَعثات الاجتماعية المعرضة للخطر، تُشكّل تحدّيًا للأرباح التي تُحاول تَحقيق التّوازن بين احتياجات وعمليات التّعاون وبين مُهمّتها الاجتماعية واحتياجاتها الماليّة.


ويتفاوت الحافز لإنشاء أعمال تعاون بين المنظمات غير السّاعية للرّبح إلى حد كبير، وقد يساعد تركيز الجهود على إقامة عمليّات تعاون ذات أثر كبير أي عمليات التّعاون التي تُتيح للمُنظّمة تَحقيق مُهمّتها على أفضل وجه في التّعويض عن إمكانيّة المنافسة بين الشُّركاء المُتعاونين.


وتُشير الأبحاث حول العلاقات التعاونيّة في القطاع الثّالث إلى أنّ المؤسسة من المرجح أن تزيد من الطابع الرسميّ لأنشطتها التعاونيّة عندما تكون أقدم، ولها حجم ميزانية أكبر، وتتلقّى تمويلاً حكومياً ولكنها تعتمد على عدد أقل من مصادر التّمويل الحكومية، ولديها المزيد من الروابط بين مجالس الإدارة ونظيراتها غير الربحية، ولا تعمل في مجال التعليم والبحث أو الخَدمات الاجتماعيّة.


6- مُراعاة القيمة التي تَكتسيها المُنظّمة ونُظُم المُساءلة أمام المُموّلين:

تُريد المُؤسسات والجهات المانحة الأخرى زيادة الوصول إلى أحدث المعلومات حول عمليات المنظمة التمويليّة كوسيلة لتحقيق عائد استثماراتهم، ويوضح الانخراط في أنشطة التقييم التي تحدد النتائج المالية والبرنامجيّة كنتيجة للدّعم التمويليّ، قيمة عمليات المنظمات غير الربحية ويساعد في تحديد تأثير مهماتها. بالإضافة إلى ذلك، يُوضّحُ التّواصُل بوضوح وبشكل مستمر جهود التقييم والمساءلة أمام الممولين والمستثمرين. 


ويُمكن أن تَشمل المُساءلة تقريرًا كاملًا عن الأنشطة فضلًا عن تبرير الطّريقة التي تُدار بها الموارد، ولقد أقامت البحوث في هذا المجال صلةً واضحةً بين وضوح مُهمّة المُؤسّسة واستراتيجيّاتها ومدى نجاح أيّ برنامج لقياس الأداء. 


إنّ إنشاء نظام لتتبُّع المعلومات حول العمليات ونقل هذه المعلومات باستخدام تقارير بسيطة ودقيقة من شأنه أن يُحسّن من قدرة المُنظّمة على تحديد ربحيّة البرامج، وتقييم نتائج البرامج والخدمات وتأثيرها، وتبسيط جهود وضع الميزانية. كما أنَّ بناء القدرة على تتبع العمليّات بهذه الطريقة ونقلها بشكل مباشر إلى المُموّلين أمرٌ ضروريٌّ إذا كانت المُنظّمات غير الرّبحيّة تتوقّع تأسيس الدّعم الماليّ. ومع ذلك، فإنّ جهود المساءلة تفرض مطالب ثقيلةً على بعض المنظمات غير الربحية التي تحتاج إلى التّمويل ولكنّها تفتقر إلى وقت الموظفين لتطوير برامج شاملة لقياس النتائج والحفاظ عليها.


ومن بين ممارسات المُساءلة عالية الأثر التي تتكلّم بوضوح أكبر عن التّطوير التنظيميّ أو تحسين البرامج والتي قد تُساعد المُنظّمات غير الربحيّة على تركيز الجهود استراتيجيًا على إظهار القيمة التي خلص إليها الباحثون، نجدُ توفير إطار لتقييم الاستدامة في المُنظّمات غير الربحية باستخدام "بيت القصيد المزدوج" يحدد الاستدامة استناداً إلى الرّبحية الماليّة وتأثير المُهمّة للبرامج والخدمات المعروضة حالياً، كما تستند الرّبحيّة إلى التّكاليف المُباشرة للبرنامج، ونسبةً مئويّةً من التّكاليف العامّة أو المُشتركة، ونسبةً مئويةً من التّكاليف الإداريّة.


وعلى النّقيض من الرّبحية، فإنّ "حساب" تأثير المُهمّة أقلُّ وضوحا، وتحديدُ البرامج التي لها تأثيرًا كبيرًا على المُهمّة قد يكون صعبًا جدًّا على العديد من المُنظّمات غير الرّبحيّة والتي لا تملك القدرة على دعم تقييم البرنامج المُنظم.


وفي معظم الحالات، تتوافق البرامج التي تنفذها مُنظمات غير ربحية مع المُهمّة بشكل ما وغالبًا ما تتوافق مع أولويات التمويل للمؤسسات والوكالات الحكومية. ومع ذلك، فإنّ الحفاظ على العديد من البرامج أو الأنشطة التي لا تتّفق مع بعضها البعض إلا بشكل غير مُحكم يضع العبء الماليّ والتنظيميّ على عدم تحقيق الأرباح وقد يُهدّد استدامتها على المدى الطويل. وبالتالي، فإن مسألة تحديد البرامج والخدمات التي تثبت أكبر أثر هي المفتاح في تقييم الاستدامة.


7- تعزيز التزامات المُنظّمة بالمُجتمع والقيادة:

غالبًا ما تُقيم المُنظمات غير الربحيّة داخلَ المُجتمعات التي تقوم بخدمتها، ممّا يخلُقُ تحدّيًا فريدًا يتمثّل في تعزيز الملكيّة والتّعاون بين أفراد المجتمع مع الحفاظ على تكامل البرامج والمُهمّات. 

غير أنّ تعزيز مشاركة أفراد المجتمع في عمليّات القطاع الثّالث، من شأنه أن يساعد المنظمات غير الرّبحيّة في تلبية احتياجات المجتمع بشكل أفضل، وبالتاّلي تعزيز الاستدامة المالية، من خلال الاستفادة من خبرات أفراد المجتمع، في مواجهة التحدّيات الثقافيّة والتنظيميّة الفريدة التي قد تواجهها المنظمات. 


وفي الوقت الذي تتواجدُ فيه أساليبٌ متعدّدةٌ لتعزيز المُشاركة مع المُنظّمات غير الرّبحيّة مع مراعاة الاحتياجات الماليّة للمنظمة، فإنّ قيادة مجالس المجتمع والمشاركة التطوعية هي استراتيجيتان غالباً ما يتمُّ استخدامهما في القطاع غير الثّالث. 

وتُوفّر مُشاركة مجلس أعضاء المُجتمع المحليّ موردًا من الخبرات المتنوعة والاطّلاع الواسع، والأهم من ذلك أنها تضفي على المجتمع المحلي الذي تقدم له خدمات المُنظمة شُعورًا بالملكيّة. وعلى نحو مماثل، يعمل مُتطوّعو المجتمع المحليّ على تعزيز مُشاركة المُجتمع المحلّي وملكيته مع المساعدة في نفس الوقت في معالجة قضايا الاستدامة الماليّة.


وعلى الرُّغم من المزايا، يجبُ أن تنظر المنظمات غير الربحيّة في كيفية قيام البعثة التنظيمية بمحاذاة رؤية المجلس وحافز المتطوعين أو مصالحهم من أجل التّعويض عن تحديات التواصل والاستبقاء المحتملة، ومن أبرز الممارسات الرامية إلى التصدّي للتّحدّيات المرتبطة بتعزيز مشاركة المجتمع المحلي وقيادته، إنشاء مجلس قيادة المجتمع وإشراكه في الجهود الرامية إلى التصدّي للتحدّيات التشغيليّة المُرتبطة بتطوير البعثات، وجمع الأموال، وإنشاء قيمة للمجتمع، والمنظمات غير الربحيّة تُنشئ غالبًا مجلس إدارة أو مجالس استشارية لتوفير التّوجيه للمُنظّمات بشأن عمليّاتها وبرامجها. 


ويُقدّم أعضاء المجلس معلومات مُعمّقة وهامّة واستشارات بشأن العمليات من حيث صلتها بالمسائل الهامة المتصلة بالمجتمع المحلي، مع أعضاء المجتمع المحلي، والزعماء السياسيين، ومُمثّلين رئيسيّين آخرين للمجتمع المحليّ، لأفراد من المنظمات المُتعاونة أو غيرهم ممّن لهم مصلحة في نجاح عمليات المُنظّمة.


المصدر


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top