من الوظيفة إلى القيادة: خارطة الطريق لشباب القطاع غير الربحي

ع ع ع

في إحدى جولاتي المعرفية الرقمية المعتادة، وقفت عند مقال نشر على منصة Medium جذبني عنوانه بقدر ما استفزني مضمونه: What Are the Leaders of Tomorrow Doing Today? كان سؤالًا بسيطًا في ظاهره، لكنه حمل بين سطوره إعادة تعريف صامتة لمفهوم القيادة، لا بوصفها وظيفة مستقبلية، بل كتراكم واعٍ يبدأ الآن.
المقال كتبه Arinze Obiezue، وجدت فيه ما يشبه مرآةً فكرية لمجتمع العاملين في القطاع غير الربحي في المملكة، خاصة الشباب منهم. وحين أغلقت الصفحة، راودني سؤال لم أهرب منه: هل نربّي في منظماتنا قادة الغد، أم نكرّس ذهنية الموظف المتلقي؟ من هنا وُلد هذا المقال.
لا كمجرد تلخيص لما قرأته، بل كمساحة ترجمة فكرية موجهة لشباب القطاع غير الربحي، مستلهمة من المقال الأصلي، ومطعّمة بخبرة السياق المحلي، وبروح تحليلية تعيد ترتيب الأولويات. إنه دعوة مفتوحة للانتقال من الوظيفة إلى القيادة، ليس بالخطاب الحماسي، بل بخارطة طريق تبدأ من الداخل.


القيادة لا تنتظر لقبًا وظيفيًا

القيادة لا تُمنح، بل تُبنى. ليس المطلوب من شباب القطاع غير الربحي أن يكونوا قادة بالمنصب، بل أن يتصرفوا بعقل القائد وهم في موقع الموظف. ولعل الفرق بين الاثنين يتضح في الجدول الآتي:


الموظف القائد
ينتظر التكليف يبادر بالفعل
ينفذ المهام يفكر في الأثر
يطلب التوجيه يصنع الرؤية
يركّز على دوره فقط يرى الصورة الكبرى
يشتكي من ضعف الإمكانيات يوظف ما بين يديه


إنهم يتعلمون: رأس المال المعرفي أولًا

لسنا نولد قادة، بل نُصقل بالتعلم. لا يكتفي قادة الغد بتلقي المعرفة، بل يتعلمون كيف يتعلمون. يتأملون أنفسهم، يحللون الواقع، ويدرسون الظواهر بخلفية منهجية. بيل غيتس لم يصبح قائدًا تقنيًا بالصدفة، بل حين كان شابًا استثمر في تعلم الحوسبة بينما كان أقرانه يتجاهلون هذا المسار الناشئ. بالمثل، فإن شباب القطاع غير الربحي بحاجة إلى فهم التحولات الرقمية، أدوات التحليل المالي، فنون التأثير المجتمعي، والتفكير المنظومي.

خطوة عملية: خصص ساعة أسبوعيًا لتعلّم مهارة رقمية أو إدارية، وسجّل ما تغيّر في فهمك أو أدائك.


إنهم يكتسبون رأس مال الهوية

تقول ميغ جاي في كتابها "العقد الحاسم": "رأس مال الهوية هو العملة التي نستخدمها مجازًا للحصول على الوظائف والعلاقات". القيادة لا تبنى فقط بالمال أو العلاقات، بل بثلاثة أنواع من رأس المال:

  • رأس المال المعرفي

  • رأس المال الاجتماعي

  • رأس مال الهوية

توني موريسون لم تُتوَّج بجائزة نوبل للأدب من فراغ، بل بنت مسارها الأكاديمي والمهني من جامعة هوارد إلى دار النشر إلى الكتابة التي حصدت بها بوليتزر ونوبل. كل مرحلة كانت استثمارًا صامتًا في رصيدها.

خطوة عملية: دوّن كل أسبوع علاقة أو مهارة أو تجربة عززت من "هويتك المهنية"، وفكر كيف تطورها.


إنهم يمتنعون: العادات تقود أو تدمّر

لا قيادة دون حياة. والعادات السيئة تستهلك الطاقة التي تحتاجها القيادة. الإدمان، الفوضى، الانغماس في اللهو، التعلق بالأضواء، كلها استنزافات خفية. ليست القضية أخلاقية فقط، بل وجودية: لا يمكن لميت أن يقود.

كما كتب أرينزي: "العادات السيئة تمتص الحياة من قادة المستقبل، وتتركهم قشرًا فارغًا يتردد فيه صدى الإمكانات غير المحققة".

خطوة عملية: حدد عادة واحدة تعرف أنها تضر مستقبلك القيادي، وابدأ بمعالجتها تدريجيًا.


إنهم يتطوّرون: الرؤية قبل الترقية

شباب اليوم ليسوا جاهزين بعد لقيادة الغد. وهذا لا بأس به. المهم أن يكونوا على الطريق. التطور ليس لحظة، بل مسار طويل من التعلم، التجربة، التحسين، والرؤية. كثيرون يفشلون في رؤية الصورة الكبرى، فيكتفون بردة الفعل، ويغيب عنهم أن قرارات اليوم هي التي تشكّل فرص الغد.

خطوة عملية: اكتب رؤيتك الشخصية للقطاع الذي تعمل فيه في 2030. ثم اسأل نفسك: ما الذي أحتاجه لأكون في موقع قيادي يحقق هذه الرؤية؟


القائد غير الربحي في 2030: ملامح المستقبل

  • متعدد اللغات، يفهم لغة الأثر ولغة المال

  • يجيد بناء التحالفات بين القطاعين العام والخاص

  • ملمّ بتحليل البيانات وصناعة القرار المبني على الأدلة

  • قادر على تحويل المبادرات إلى نماذج استدامة

  • حاضر رقميًا، موثوق اجتماعيًا، فاعل تشريعيًا

هذا القائد لن يُولد فجأة، بل يُبنى من الآن.


دعوة للتأمل 

إذا توقفت عن التفكير في الغد كموعد، وبدأت تراه كمسؤولية، فالسؤال الأهم هو:

ما المشروع أو المهارة أو التغيير الذي إن بدأته اليوم، ستشكر نفسك عليه بعد خمس سنوات؟

دوّنه. راجعه. وابدأ بخطوة.


  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

scroll to top