كيف نحافظ على تأثيرنا كقادة ومقدّمي عروض في عصر الذكاء الاصطناعي؟
وقد أثار هذا العنوان فضول فريق "البنك الثالث"، فبدأ رحلة التحقق من المقال ومضمونه. وبعد البحث، وُجد المقال منشورًا على الموقع الرسمي للمجلة بتاريخ 14 مايو 2025، بقلم الخبيرة المعروفة في فنون الاتصال والعروض المؤثرة نانسي دوارتي.
ومن هنا، قام فريق التحرير في "البنك الثالث | موسوعة الإثراء المعرفي للقطاع غير الربحي" بترجمة المقال كاملاً، مع إعادة تحريره وتوسيعه، بما يتناسب مع الواقع المحلي للجمعيات والمؤسسات الوقفية، ويواكب التحديات المهنية التي تواجه مسؤولي التواصل والعرض والتأثير في هذا القطاع.
هل الذكاء الاصطناعي التوليدي هو الحل؟ أم التهديد؟
تسارع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تقديم نفسها كحل شامل لعمليات البحث، والكتابة، والتحرير. بضغطة واحدة، يمكنك توليد مخطط عرض أو كتابة مقدمة خطاب أو اقتراح شرائح عرض كاملة.
لكن هل هذا كافٍ؟ وهل يؤدي ذلك إلى تحسين حقيقي في الأداء القيادي والتأثيري؟
في الحقيقة، نحن لا نعيش فقط حقبة تكنولوجيا جديدة، بل حقبة اتصال مختلفة بالكامل.
فدور القائد اليوم لا يقتصر على عرض الأفكار. بل أصبح مطالبًا بأن يبسّط التعقيد، ويبني الثقة، ويخلق فهمًا مشتركًا بينه وبين الجمهور — سواء كان هذا الجمهور مانحًا، أو شريكًا استراتيجيًا، أو لجنة إشرافية.
ويُنتظر من المتحدث أن يظهر أصالةً، وخصوصيةً، وتفاعلًا آنيًا حقيقيًا.
الجمهور يفرّق بسهولة بين عرض صُمّم لأجله، وعرض نُسخ ولُصق من أداة آلية.
المتحدث البارع ليس من يُلقي فقط، بل من يجعل جمهوره يشعر ويؤمن ويتحوّل.
الذكاء الاصطناعي يدعم... لكنه لا يبني
لا شك أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تساعد في تخفيف الضغط وتوفير الوقت، خاصة في مرحلة الصياغة المبدئية أو تنويع الأساليب.
وقد أفاد مستخدمو أدوات الذكاء الاصطناعي في المجال التسويقي بأنهم وفروا أكثر من 11 ساعة أسبوعيًا من مهام التحرير، خصوصًا في تحسين التصميمات والمخططات والمرئيات.
لكن استخدامها في المراحل الأولى من إعداد العرض التقديمي قد يُضعف التفكير النقدي، ويقلل من الإحساس الطبيعي بعدم الرضا الذي يُحفّز على التطوير، ويُربك الحدس الذي يقود إلى الإبداع.
إذا اعتمد المتحدث بشكل مفرط على ما تقترحه الأداة، فإنه يتحول من مُنشئ للفكرة إلى مجرد مُحرر لاقتراحات خارجية.
إن ما يجعل العرض مؤثرًا ليس مجرد وضوحه، بل عمق الاتصال الذي يُحدثه.
وهذا الاتصال لا تولّده خوارزمية، بل تصنعه ثلاث مهارات إنسانية لا غنى عنها.
ميزة المتحدث: 3 مهارات لا يُحاكيها الذكاء الاصطناعي
أطلقت نانسي دوارتي على هذه المهارات اسم "ميزة المتحدث" (The Communicator's Advantage)، وهي ثلاث قدرات جوهرية لا يستطيع الذكاء الاصطناعي، مهما تطوّر، أن يحاكيها:
1. تصميم الرسالة الاستراتيجية
الرسالة المؤثرة لا تُبنى في محرّك نصوص. بل تُصاغ انطلاقًا من فهم عميق للأهداف، والمخاطر، وسياق الجمهور، واللغة التي تفتح له أبواب التفاعل.
المتحدث الاستراتيجي يملك القدرة على ابتكار رواية مستقبلية كبيرة، تجعل المستمع يشعر أن ما يُقال هو طريقٌ له، لا مجرد عرض عليه.
الاستراتيجية ليست ملخص بيانات، بل بوصلة تصوغ المستقبل الممكن والملحّ.
قبل أن تكتب أي نص في أداة ذكاء اصطناعي، اسأل نفسك:
-
ما التغيير الذي أريد إحداثه؟
-
ما التحول الذي أطمح أن يعيشه جمهوري بعد حديثي؟
-
كيف يفكر هذا الجمهور اليوم؟ وما هي موانعه الذهنية والعاطفية؟
لكن لا تسمح للأداة أن تقود عقلك. أنت من يقودها.
2. الحُكم الإبداعي
ليس كل ما يبدو ذكيًا مناسبًا.
الإبداع في العرض لا يتعلّق فقط بتوليد أفكار جديدة، بل بصياغة دقيقة، ونغمة مناسبة، وترتيب جاذب.
الذكاء الاصطناعي قد يولّد صيغًا نحوية صحيحة، لكن الإنسان هو من يُحدّد إن كانت العبارة ستصيب قلب الجمهور أو لا.
الإبداع هو:
-
معرفة متى تُلقي سؤالًا ومتى تُعلن نتيجة.
-
إدراك متى يحتاج العرض إلى رقم، ومتى يحتاج إلى قصة.
-
القدرة على إدخال مفاجأة في لحظة ركود.
ولتنمية هذا الحكم:
-
لا تكتفِ بمخرجات الأداة.
-
راجعها كقيّم، لا كمستهلك.
-
غيّر ما يبدو باهتًا، وعدّل ما لا يشبهك.
-
أعد صياغة الجُمل الرئيسية بصوتك.
-
اقرأ النص بصوت عالٍ، وراقب وقعه.
وفي السياق البصري، تحذّر الكاتبة من الاعتماد على صور الذكاء الاصطناعي التوليدي في العروض المؤسسية (B2B)، لأن أغلبها لا يلتزم بجودة العلامة التجارية أو الهوية البصرية الاحترافية.
ما لم تكن لديك خبرة دقيقة في توجيه هذه الأدوات، فإن استخدامها قد يضرك أكثر مما ينفعك.
3. التعاطف
العرض المؤثر لا يبدأ من الشريحة الأولى، بل من النية التي يحملها المتحدث في قلبه تجاه جمهوره.
التعاطف هو القدرة على:
-
استشعار ما لم يُقال.
-
قراءة لغة الجسد.
-
التكيّف اللحظي مع التفاعل.
-
تعديل النبرة والسرعة والمحتوى بناءً على السياق.
الذكاء الاصطناعي يمكنه تقليد نغمة دافئة، لكنه لا يشعر بالتوتر، ولا يلتقط القلق، ولا يعرف متى يجب أن يصمت.
وحدك من يملك وعي الجمهور، وحضور اللحظة، والبوصلة الأخلاقية التي تُرشدك حين تكون أمام قصة حساسة أو موقف مصيري.
لكي تُقدّم عرضًا بتعاطف:
-
اسأل: ما الذي يخيف جمهوري؟ ما الذي يأمله؟ ما الضغوط التي يواجهها؟
-
اكتب العرض وأنت تتخيل وجوههم أمامك.
-
وخلال التقديم: تنفّس، راقب، تحرّك، غيّر النبرة أو السرعة أو الأولوية — إذا استدعى الموقف.
بين الذكاء والإدراك: من يملك السيطرة؟
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة كتابة. بل أصبح يُعيد تشكيل طريقة تفكيرنا ذاتها.
حين نُسند المسودة الأولى للآلة، فإننا لا نبتكر، بل نُعدّل على ما تم توليده.
وفي هذه الحالة، نفقد "الصفحة البيضاء" التي لطالما كانت أرض الإبداع الحقيقي.
ماذا يعني هذا لمقدّمي العروض في القطاع غير الربحي؟
أن يعرض قائد جمعية مشروعه على لجنة مانحة، أو يُقنع داعمًا ماليًا بفكرة ابتكارية، أو يقدم أمام جمهور من المتطوعين أو المستفيدين، فإن ما يُحدث الأثر ليس جودة الشرائح، بل جودة الحضور.
التمويل، والتأثير، والشراكة، كلّها تبدأ من اتصال بشري، لا نص مُصاغ.
كلمة أخيرة
في الوقت الذي تزداد فيه الأدوات، وتتشابه المخرجات، ويزداد الضجيج، يبقى التميّز في صوتك أنت.
صوتك الذي يصيغ، ويحكم، ويتعاطف.
فإن كنت في منصب قيادي، أو مسؤول تواصل، أو صاحب مشروع غير ربحي، تذكّر دائمًا:
"الذكاء يصوغ. أما التأثير، فلا يصنعه إلا الإدراك."
وهنا تتجلى ميزة المتحدث.
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
