في صيف 2023، تصدرت عناوين الصحف الرياضية خبر تعاقد نادي الاتفاق مع أسطورة ليفربول ستيفن جيرارد. لم يكن الأمر مجرد صفقة تدريبية، بل تعبيرًا عن طموح استراتيجي؛ نادٍ سعودي يستقطب نجمًا عالميًا ليقود مشروعًا تحويليًا في دوري روشن. غير أن الحلم لم يدم طويلًا: موسم واحد، نتائج متواضعة، عقد منتهٍ بالتراضي.
قد يُختزل الحدث ضمن كرة القدم، لكنه في الحقيقة يصلح نموذجًا مثاليًا لقراءة أحد أبرز الإشكالات الإدارية في القطاعات الناشئة، وعلى رأسها القطاع غير الربحي في المملكة. وهنا لا نتحدث عن المهارات الفنية، بل عن الخلط المنهجي بين "المنفذ الماهر" و"القائد الفعّال".
من نجم في مجاله... إلى مأزق في غير ميدانه
جيرارد كلاعب؟ بطل. قائد ميداني، يُلهم الجماهير، يحسم اللحظات. جيرارد كمدرب في بيئة مختلفة؟ متردد، متعثر، وربما غريب عن السياق.
المشكلة لم تكن فيه، بل فيمن وضعه في المكان الخطأ، في التوقيت الخطأ، بأدوات ناقصة وتوقعات مرتفعة.
والسؤال الجوهري: كم من جيرارد نُعيّن في مؤسساتنا غير الربحية كل عام؟ كم من شخص لامع في تخصصه، نحمله على عاتقه مشروعًا اجتماعيًا ثقيلًا، ثم نستغرب لماذا لم ينجح؟
الظاهرة المتكررة في القطاع غير الربحي
في السعودية، ومع انطلاق رؤية 2030، تضاعفت التطلعات تجاه القطاع غير الربحي. بات يُطلب منه ما لم يُطلب من قبل: التمكين، التأثير، الابتكار، والاستدامة. ولكن التعيينات القيادية لا تزال - في كثير من الحالات - تُبنى على الانطباع، أو العلاقات، أو حتى الرغبة في المجاملة.
نستقدم قياديين من التعليم أو التسويق أو الإعلام، ونتوقع منهم فهم التمويل غير الربحي، إدارة المتطوعين، وبناء الحوكمة. نرفع المنفذ المتميز إلى موقع استراتيجي، ثم نحاسبه على عدم الرؤية. وهنا يتكرر الخطأ:
اللاعب الممتاز لا يعني بالضرورة أنه مدرب ناجح. والمنفذ المبدع لا يُفترض أن يكون قائدًا بالفطرة.
اكسب المنفذ.. واصنع القائد
هنا جوهر الحل الإداري:
استمتع بالمنفذ الجيد.
استثمر فيه.
ارفع راتبه لا منصبه.
فالسوق اليوم، خاصة في القطاع غير الربحي، يعاني من ندرة المنفذين المحترفين، أكثر بكثير من ندرة العناوين القيادية. المؤسسات تحتاج من يحوّل الخطط إلى عمل، لا من يكتفي بتأليف الشعارات.
ولا ضير أن يظل الموظف محترفًا في موقعه، دون أن يتحول لقائد. القيادة ليست ترقية، بل موهبة ورسالة.
وصايا الإدارة قبل أن تتعاقد مع "جيراردك القادم"
اسأل: هل هذا المرشح قائدٌ بطبعه أم منفذٌ مبدع؟
لا ترفع الكفؤ إلا بعد أن تمنحه الأدوات، والدعم، والبيئة المناسبة.
توقف عن تحميل الأشخاص فوق طاقتهم.. فالنتائج ليست ناتجًا للنوايا الطيبة فقط.
القيادة لا تُورّث.. بل تُبنى
جيرارد لم يفشل لأنه لا يملك الكفاءة، بل لأنه لم يُوضع في المسار الذي يُنمّيها. وكذلك كثير من التنفيذيين في قطاعنا غير الربحي: ضحايا اختيارات مرتجلة، لا دراسات جدوى بشرية.
الختام بلغة المختبر الإداري:
ليس كل من يرفع الكأس، يصلح ليرفع المؤسسة.
القيادة قرار استراتيجي، لا عاطفي. والميدان، كما في الرياضة، لا يرحم الرهانات العشوائية.
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
