الأمن السيبراني في القطاع غير الربحي: سلامة الأثر واستدامة الثقة

ع ع ع

حين تصبح الثقة هدفًا رقمياً:

تخيل أن رسالتك الإنسانية، وجهودك الإغاثية، وأعمالك التنموية، أصبحت فجأة رهينة لهجوم إلكتروني خفي. هذا ليس مشهدًا من فيلم خيال علمي، بل واقع متسارع تعيشه اليوم المنظمات حول العالم. فحين يعتمد أثر العمل الخيري على البيانات والاتصالات الرقمية، تصبح حمايتها خط الدفاع الأول عن الثقة، والاستمرارية، والرسالة. وهنا تبرز أهمية ما يُعرف بالأمن السيبراني: منظومة التدابير التي تضمن أن تظل الأبواب الرقمية للمنظمات موصدة أمام المتسللين، ومفتوحة فقط أمام الأمل والتغيير.

الأمن السيبراني ليس ترفًا تقنيًا، بل ضرورة استراتيجية لضمان أن تصل رسالة المنظمة الإنسانية إلى من يحتاجها دون انقطاع أو تشويه. إنه الدرع الخفي الذي يحمي العمل الخيري من أن يتحول إلى ضحية في معركة لا ترى فيها الخصوم، لكنها مميتة في آثارها.

في هذا السياق، تصبح المنظمات غير الربحية في المملكة العربية السعودية أكثر عرضة للتهديدات السيبرانية مع تنامي اعتمادها على التحول الرقمي. ووفقًا لتقرير "CyberPeace Analytical Report 2023" الصادر عن معهد السلام السيبراني، تعرضت 68% من المنظمات غير الربحية لخروق بيانات خلال الثلاث سنوات الماضية (CyberPeace Institute, 2023).


حجم الخطر: حين تصبح القلوب المفتوحة أبوابًا مفتوحة:

لم تعد المنظمات غير الربحية فقرة مناجيًا من الهجمات. فوفقًا لتقرير مايكروسوفت للدفاع الرقمي 2021، أصبحت المنظمات غير الربحية ثاني أكثر قطاع مستهدف من قبل الهجمات المدعومة من دول (Microsoft, 2021).

ولم تقتصر الهجمات على السرقة أو التخريب، بل شملت أيضًا الابتزاز، التسريب المتعمد للبيانات، وتعطيل العمليات الإنسانية. وقدرت خسائر الهجمات السيبرانية عالميًا بأكثر من 10.5 تريليون دولار سنويًا بحلول 2025 (Morgan, 2020).


قصص واقعية تكشف الخطورة:

  1. في 2022، تعرضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لهجوم سيبراني معقد استهدف بيانات أكثر من 500,000 شخص من المتضررين، معظمهم من الفئات الهشة التي تعتمد على سرية بياناتها لضمان سلامتها (ICRC, 2022).

  2. في 2016، تسربت معلومات 550,000 متبرع بالدم من الصليب الأحمر الأسترالي بسبب خطأ بشري وسوء تخزين، مما أدى إلى فقدان الثقة وانخفاض أعداد المتبرعين (OAIC, 2017).

  3. في حادثة أخرى، اضطرت منظمة Roots of Peace إلى الاقتراض البنكي بعد أن فقدت أكثر من 1.3 مليون دولار نتيجة احتيال سيبراني استهدف الرئيس التنفيذي أثناء سفره (GZERO Media, 2023).


كيف تؤثر الهجمات السيبرانية على استدامة العمل الخيري؟

  • فقدان ثقة المانحين: أي خرق قد يؤدي إلى شكوك حول قدرة المنظمة على حماية المعلومات الحساسة.

  • تعطل العمليات الحيوية: مما يؤخر أو يعطل إيصال الخدمات الإنسانية.

  • تكاليف مالية باهظة: تشمل استعادة الأنظمة، الغرامات القانونية، وخسائر التبرعات.

  • تضرر السمعة: وهو أثر قد يستمر سنوات، ويصعب التعافي منه بسهولة.


حلول عملية للقطاع غير الربحي:

  1. بناء ثقافة أمنية مؤسسية: عبر تدريب جميع الموظفين على مبادئ الحماية الرقمية.

  2. تعزيز البنية التحتية السيبرانية: من خلال استخدام أنظمة مصادقة متعددة العوامل وتشفير البيانات الحساسة.

  3. الاعتماد على نسخ احتياطية آمنة: يتم تحديثها بانتظام وحفظها في أماكن منفصلة.

  4. تبني خطط استجابة سريعة للحوادث: تحدد بوضوح الأدوار والمسؤوليات عند وقوع أي خرق.

  5. التعاقد مع خبراء أمن معلوماتي: لإجراء تقييمات دورية واختبارات اختراق للأنظمة.

  6. التعاون مع مبادرات دولية: مثل CyberPeace Builders التي تقدم دعمًا مجانيًا للمنظمات غير الربحية.

  7. تضمين متطلبات الأمن السيبراني في اتفاقيات التمويل: مع المانحين لضمان وجود موارد مخصصة لهذا الجانب الحيوي.


الأمن الرقمي: حماية للأثر لا مجرد حماية للبيانات:

يمثل الاستثمار في الأمن الرقمي للمنظمات غير الربحية ليس فقط حماية للبيانات، بل وعداً بحماية ثقة المجتمع، وضمان استمرارية العطاء. فحين يصبح كل مشروع خيري مدعوماً ببنية سيبرانية قوية، يصبح الأثر أوسع، والثقة أرسخ، والمستقبل أكثر أمانًا.

وفي ظل مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تسعى إلى رفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي إلى 5%، يصبح الأمن السيبراني حجر أساس لا غنى عنه لضمان أن يكون التحول الرقمي قاطرة للنمو لا بوابة للخطر.


المصادر:

  • CyberPeace Institute (2023), CyberPeace Analytical Report.

  • Microsoft (2021), Digital Defence Report.

  • International Committee of the Red Cross (2022).

  • Office of the Australian Information Commissioner (2017).

  • Federal Bureau of Investigation (2021), Internet Crime Report.

  • GZERO Media (2023), The threat of CEO fraud and one NGO’s resilient response.

  • Steve Morgan (2020), Cybercrime To Cost The World $10.5 Trillion Annually By 2025, Cybercrime Magazine.

  • هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
  •    

اشترك في نشرتنا البريديّة

scroll to top