نُظِّم اللقاء الإثرائي الحادي والثلاثون تحت عنوان “الحوكمة الروحية للوقف”، بدعوة من مؤسسة استثمار المستقبل، وبمشاركة أ.د. عبدالرحمن بن عبدالله الصغير، رئيس جامعة المعرفة ورئيس مجلسها، حيث طرح أفكارًا عميقة أعادت تعريف العلاقة بين القيم والأنظمة، بين النية والإدارة، بين جوهر الوقف وشكله الخارجي.
وقد حضرنا اللقاء لنخرج منه لا بمجرد محاضرة، بل بخارطة من التأملات والأسئلة الكبيرة التي تستحق أن تُنقش في جدران كل جمعية ومؤسسة وقفية.
في هذا المقال، أشارك معكم 10 خواطر مستلهمة من اللقاء، كتبتها بأساليب فكرية متعددة، لتصل لكل عقل وقلب.
1. الحوكمة تبدأ من ضمير الإنسان لا من هيكل النظام
ليست الحضارات أبنية من إسمنت، بل أفكار تسكن في النفوس. وعندما يغيب الضمير، تتحول الأوقاف إلى كيانات باردة مهما كانت لوائحها محكمة. النية الصادقة هي حجر الأساس الأول لكل بناء وقفي يدوم قرونًا.
2. لا تصنع الأوقاف العظيمة بنصوص العقود، بل بتجارب تُلمس
كما لا تصنع المنتجات التقنية بالأزرار فقط، لا تُبنى الأوقاف باللوائح وحدها. إنما تصنعها رؤية تعيش في التفاصيل وتُترجم إلى شعور. ما يميز الوقف ليس شكله بل ما يُحدثه في حياة الناس.
3. حين يفقد الوقف روحه، يتحول إلى جثة إدارية
النصوص لا تصنع الأمانة، والأنظمة لا تُغني عن الإخلاص. الوقف عقد مع الله قبل أن يكون وثيقة مع المحاكم. وما لم نُدخل “المراقبة الذاتية” إلى مجالس النظار، فستبقى بعض الأوقاف تُدار… لكنها لا تؤثر.
4. النوايا الصادقة قد تكون أهم من رأس المال
لا فرق بين مشروع ناجح وآخر متعثر في المظهر فقط، بل في الباطن أيضًا. رأينا في الواقع من استثمر القليل بنية صافية، فأثمر، ومن أدار الملايين بنمط مؤسسي لكنه بلا حرارة داخلية، فتعثّر. النية عنصر إنتاج لا يقل عن الميزانية.
5. لا يزدهر الوقف إلا بتحقيق شرط الواقف ظاهرًا وباطنًا
ما يفسد كثيرًا من الأوقاف ليس نقص النظام، بل تأويل شرط الواقف حتى يُفرغ من مضمونه. الحوكمة لا تكتمل إلا إذا جمعنا بين ظاهر النص وباطن النية، وبين فقه الإدارة وفقه الأمانة.
6. الحوكمة الحقيقية تبدأ من ضمير حيّ لا من نص جامد
حين تصبح الوقفية معاملة مالية فقط، نفقد جوهرها. أما إذا تعاملنا معها كأمانة، كعبادة متجددة، صارت محلاً للبركة. الفارق بين وقفٍ يبقى وآخر يذوي… هو القلب الذي يحمله.
7. ليس كل وقف محكومًا يكون محكّماً
اللوائح لا تعني النجاح. بل إن بعض الأوقاف التي استمرت لقرون لم تُسجل في أي نظام، لكنها بقيت لأن أهلها استحضروا النية. وبين وقف يُدار على الورق، وآخر يُدار من خشية الله، فرق لا تصنعه الأنظمة.
8. النية هي الإستراتيجية التي لا تُكتب، لكنها تصنع الفرق
أعظم المنظمات هي تلك التي تزرع القيم في التشغيل. حديث أ.د. عبدالرحمن الصغير كان دعوة لإعادة التفكير في ثقافتنا التنظيمية: هل ندير الأوقاف كأصول مالية؟ أم نُحسن تسويقها كأثر ممتد، نُحاسب عليه أمام الله؟
9. حياة الوقف في صدق نية ناظره لا في طول لائحته
النية لا تُقاس، لكنها تُحس. والوقف لا يبقى باللوائح، بل بصدق الناظر، حين يستشعر أنه مؤتمن لا متصرف. وإن غابت النية، فكل حوكمة تصبح حبرًا على ورق.
10. بعض الأوقاف تموت بأناقة… على ورق مصقول
رأينا أوقافًا تُدار بمنتهى الدقة… لكنها خالية من الحياة. السر؟ غياب النية، غياب الحياء من الله، غياب الشعور أن الوقف أمانة لا صفقة. بعض المدارس في الأحساء ما زالت قائمة منذ مئات السنين، لا بسبب التوثيق… بل بسبب التقوى.
وختاماً، في زمن تزداد فيه المعايير وتتراكم الأدلة الإجرائية، نحتاج أن نعود إلى النية، إلى الحوكمة التي تبدأ من الداخل، إلى أن نقول كما قال المحاضر: “الوقف لا يعيش إلا إذا عاش شرطه وصدقت نيته”.
شكرًا لـ استثمار المستقبل على الدعوة والتنظيم، ولـ أد. عبدالرحمن الصغير على هذا الإثراء، الذي لم يكن محاضرة في الإدارة، بل درسًا في الحياة.
- هل كانت هذه المقالة مفيدة؟
